المطلوب من أوباما في الشرق الأوسط
جورج كتن
أحرجت أحداث غزة الرئيس الأميركي المنتخب بحيث لم يحدد موقفاً واضحاً من الصراع المندلع بتوقيت يكاد يكون مقصوداً من إسرائيل. فرغم أنها كانت سترد على صواريخ حماس التي انطلقت بعد رفضها تجديد التهدئة، فقد كان بإمكانها تأجيل هجومها أو القيام برد محدود إلى أن تتضح السياسات التي ستتبعها الإدارة الاميركية الجديدة، أو انتظار الانتخابات الإسرائيلية القريبة التي يمكن أن تعطي إشارات للسياسة التي تفضلها الأغلبية في التعامل مع مجمل المسألة الفلسطينية.
أحداث غزة تأكيد جديد على أن ستين عاماً من الصراع الدموي لن تقود إلى حلول وسلام دائم، وهو ما يجب البحث عنه في عملية استراتيجية سياسية، مدارة ومدعومة من المجتمع الدولي، تكتسب أهميتها من الامل بالوصول إلى حلول توقف العنف المتجدد كل بضعة سنوات، وهي ما ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب في ولايته القادمة، وليس إعلان موقف من حرب غزة أو المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة للتهدئة المؤقتة رغم أهميتها الراهنة.
العديد من الكتاب حاولوا توقع ما ستفعله الإدارة الجديدة برئاسة أوباما. والتوقعات كبيرة، بعضها ينتظر من رجل واحد أن يغير مسار العالم للأفضل أم للأسوأ، وهي مبالغة تهمل العوامل التي تفعل في السياسة الأميركية. فالرئيس عملياً ليس مقررها الوحيد حيث تتشارك في رسمها إدارات الخارجية والدفاع ومجموعات ضغط ومراكز دراسات وسلطة تشريعية ورأي عام وشركات كبرى وإعلام ...
تغيير السياسة الخارجية ممكن عند متغيرات عالمية مثل نهاية الحرب العالمية الثانية أو نهاية الحرب الباردة أو حدث 11/9 كبداية لحرب ضد الإرهاب العالمي، وليس كلما انتخب رئيس جديد. لا ننكر الدور الشخصي للرئيس وخاصة أوباما، ولكن نرجح أن الاستراتيجية العامة الأميركية تغيرت إثر هذه الأحداث ولن تتغير الآن. فالجديد فيها أساليب تنفيذها، وهنا يأتي دور الإدارة الجديدة والرئيس وربما وزيرة الخارجية كلنتون التي لها مواقفها الخاصة، إلا أنها ستكون محكومة أكثر بكونها عنصر منفذ في سياسة يقررها في النهاية الرئيس.
يطرح أوباما في الداخل الأميركي مشاريع للتغيير في مجالات مختلفة، ويعد بأولوية التصدي لحل الأزمة المالية العالمية، إلا أن التغييرات التي ستطرأ على السياسة تجاه الشرق الأوسط هي الأكثر أهمية لنا وللعالم. سيوجه أوباما خطاباً للعالم الإسلامي بعد تسلم منصبه، وهي فرصة لإعادة إقلاع السياسة الاميركية وتحسين صورتها في المنطقة والمجتمع الدولي.
الخطاب قد يطمئن قطاعات واسعة إلى أن أميركا أوباما ستقوم بالتزاماتها الدولية بوسائل جديدة. وستتأكد مصداقية الخطاب في التنفيذ العملي السريع، لتعديل المسار في المسائل الشائكة التي أثرت في مدى تقبل السياسات الأميركية في المنطقة. يمكن للخطاب والإجراءات التي ستتبعه أن تكسب مؤيدين ممن أساؤوا فهم السياسة الأميركية أو تأثروا بممارسات الإدارة السابقة، ولكنها على الأرجح لن تستطيع كسب المعادين مسبقاً لأميركا- قبل وأثناء وبعد عهد بوش وما بعد عهد أوباما- دون النظر في مدى ملاءمة مواقفها للمصالح المحلية. وربما يكون من العبث دعوتهم للتريث قبل إصدار أحكامهم إلى أن تتضح سياسة أوباما، إذ سيفسروا كل خطوة أميركية على أن هدفها دعم أسرائيل.
لا شك أن الأوضاع في الشرق الأوسط متشابكة ومؤثرة في بعضها البعض، ولكن الحلقة الرئيسية المسببة لازماتها هي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والمسألة الفلسطينية المستمرة بلا حل، معطية الذرائع للقوى المتطرفة لزعزعة استقرار المنطقة. ليس المطلوب من أوباما الانحياز للعرب في الصراع كبديل عن الانحياز التقليدي لإسرائيل، السمة المشتركة لجميع الرؤساء الاميركيين، ولكن نظرة واقعية تتفهم أن عدم التجاوب مع الحقوق الفلسطينية يعني بقاء الشرق الأوسط مجالاً لتوريط أميركا والعالم في صراعات لا تنتهي. يمكن لأميركا أن تنحاز للأطراف السياسية الإسرائيلية المعتدلة التي تريد حلاً وتعايشاً في إطار الشرق الاوسط، وأن تعمل للحد من أطماع القوى المتطرفة التي تدعم الاستيطان وتعتقد ان إسرائيل يمكنها فرض مواقفها بالقوة.
العرب من جهتهم بغالبيتهم المعتدلة أصبحوا مهيئين لحل تفاوضي يقوم على تنازلات متبادلة. فقد قبلوا بما كانت تعرضه إسرائيل: استعادة الاراضي المحتلة عام 1967 مقابل السلام والتطبيع، وهو ما تلخصه "المبادرة العربية" التي حظيت بموافقة عربية جماعية ورفضتها إسرائيل متخلية عن طرحها السابق. ويمكن لاميركا أوباما أن تلعب دوراً أساسياً في دعم المبادرة والإشراف على تطبيقها بالتعاون مع المعتدلين عرب وإسرائيليين قبل أن تفوت الفرصة وينهار الطرف العربي المعتدل لصالح قوى الإرهاب والعنف.
خلال نصف القرن المنصرم ثبت بما لا يقبل الشك أن أمن إسرائيل الذي يهم أميركا لا يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية ولكن بالوصول لاتفاقات سلام كما حدث مع مصر. المطلوب من أميركا أن تتبنى حلاً عادلاً يقوم على الانسحاب إلى حدود 1967 مع تعديلات طفيفة وتبادل أراضي والقدس عاصمة لدولتين والسماح بعودة اللاجئين للدولة الفلسطينية وتعويضهم عن ممتلكاتهم في إسرائيل، وتذهب بهذا الحل للمشاركة بالمفاوضات كطرف فاعل وليس حيادي وتدفع للوصول لتوافقات.
الاهتمام بالمسألة الفلسطينية مباشرة من قبل الإدارة الاميركية سيعزز ما تركه انتخاب أوباما من انطباع متفائل في الشرق الاوسط. تفويت هذه الفرصة يعني المزيد من انتشار الإحباط والعداء للسياسة الأميركية وخلق الأزمات، وانتشار أكبر للحركة الاصولية المتطرفة وتوسع عملياتها ضد أميركا والعالم. لكن ليس من المحبذ انفراد أميركا في حل مشاكل المنطقة رغم دورها المميز بصفتها الأقدر على المساهمة في الحل، فالأمم المتحدة والمجتمع الدولي يمكنها تحمل مسؤولياتها مع تقديم حوافز للنهوض بالمنطقة التي أنهكتها الحروب المتتابعة.
الحل سيخلق ديناميكية جديدة تمكن من مواجهة المسائل الأخرى العالقة. ففي العراق لا يمكن لأوباما العودة لموقفه المعارض لشن الحرب، فالأوضاع تجاوزته ولم تعد هناك معارضة لسحب القوات من أي طرف، ولكن الخلاف على المدى الزمني، فالانسحاب السريع سيؤدي لتقويض الدور الأميركي في المنطقة ولمزيد من التهديد للأمن والاستقرار العالمي، وربما وقوع العراق تحت الهيمنة الإيرانية الكاملة، وتزايد المخاطر على الدول الخليجية النفطية فأطماع إيران في الخليج معروفة.
الانسحاب التدريجي "المسؤول" من العراق والتسليم المتتابع للعملية الامنية للقوى العسكرية العراقية هو الأسلوب الذي يحفظ ما تحقق حتى الآن، وخاصة تراجع العمليات الإرهابية والدعم الخارجي لها، وقيام حكومة عراقية قوية، وتحجيم القوى التابعة لإيران وخاصة جيش المهدي الصدري،
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق