تعالوا نتساءل عن الذين شجعوا منظمة حماس السياسية الإسلامية المتطرفة علي إلغاء التهدئة واستفزاز إسرائيل سواء بإطلاق التهديدات أو بإطلاق الصواريخ بكثافة, أين هم الآن؟
لقد نجحت حماس في استفزاز إسرائيل استجابة لمن شجعوها, وتطلعا لأهداف رأت أنها في المتناول، وأنها ستخرج من أتون الحرب قوة سياسية معترفا بها عربيا وإقليميا ودوليا ، وستنال القبول بشرعيتها في إمارة غزة. ولكن حسابات قادة حماس, أكدت اللامبالاة بالخسائر البشرية والمادية، والقبول بها كثمن للأهداف التي خططوا لها.
ومنذ الساعات الأولي للحرب, بدا واضحا أن آلة الحرب الإسرائيلية التي بدأت دورانها يوم27 ديسمبر الماضي, أكثر تعطشا للدم مما كانت من قبل. وقبل أن ينتهي اليوم الأول للعملية العسكرية, وصل رقم الشهداءإلي ما يقرب من160 شهيدا, بالإضافة إلي أكثر من ألف جريح, أما الخسائر المادية فقد خالفت كل التوقعات, حيث استهدفت النيران المنشآت الحكومية والمقار الأمنية والمرافق الأساسية.
وكان في مقدور قادة حماس أن يقرأوا مؤشرات العملية العسكرية بشكل واضح, وأسفرت نتائج اليوم الثاني للعمليات عن تضاعف رقم وحجم الخسائر, وفظاعة عمليات القتل في ظل تحول العملية إلي مقتلة كبيرة, وحتي لو كانت تستهدف أعضاء حماس فإنها تؤدي إلي سقوط المئات من الأبرياء ومن بينهم أطفال ونساء وعجائز, وهذا النزيف الدموي لم يحرك قادة حماس, ولم يدفعهم للمطالبة بوقف إطلاق النار حفاظا علي أرواح أهالي قطاع غزة وحماية لما تبقي من المنشآت والمرافق والمباني, وأصروا علي الاستمرار علي الطريقة نفسها, وفي الوقت نفسه طالبوا إيران وحزب الله بالتدخل في الحرب ولكن هذه القوي المتحالفة مع حماس, كان لها رأي آخر, لقد استدرجوها للمعركة لتحقيق أهدافهم لا لتحقيق أهداف حماس, وسرعان ما غسلوا أيديهم تماما مما يجري في قطاع غزة ورفضوا التورط في الأمر.
وواصلت هذه القوي نشاطها في مجال قيادة المظاهرات ضد مصر ومطالبتها بالانتصار لفلسطين وأهالي غزة واتهامها بالخيانة والانهزامية, بل تبجح حسن نصر الله وطالب الجيش بالانقلاب علي النظام. ولننظرها في مواقف هؤلاء الحلفاء الذين استدرجوا حماس للحرب, فالمسئولون الإيرانيون الكبار وعلي رأسهم الرئيس نجاد الذي أمر بمنع سفر المتطوعين الراغبين في القتال بجوار المقاومة في غزة, أما سعيد جليلي أمين عام المجلس الأعلي للأمن القومي فقد توجه إلي كل من دمشق وبيروت لينقل تعليمات خامنئي المرشد الأعلي بضبط الأعصاب وليؤكد أن حماس تملك ما يكفي من السلاح وليست في حاجة إلي إمدادات جديدة. وهذا التصريح يعني أن إيران لن تزود حماس بالسلاح خلال المحنة التي تمر بها, وأنها ستواجه القوات الإسرائيلية وحدها.
هل يملك قادة حماس انتقاد الموقف الإيراني؟ لا, لقد أصيبوا جميعا سواء كانوا في الخارج أو في الداخل بالخرس, بالرغم من تماديهم في التطاول علي الآخرين وفي مقدمتهم مصر.
أما القادة في سوريا, فهم دائما أكثر حكمة, فالجولان المحتلة منذ عام1967, تعد أهدأ مناطق الاحتلال, ويجد فيها السائح الإسرائيلي أكبر قدر من الأمان, وعلي أرضها تتحرك القوات الإسرائيلية بثقة, ويجري استقبال المستوطنين الجدد في المستعمرات المقامة هناك بانتظام.
وعندما هاجمت القوات الجوية الإسرائيلية المنشآت النووية في دير الزور في سبتمبر2007, تركتها القيادة السورية طوال فترة الهجوم دون أن تفكر في التصدي لها أو حتي عرقلة مهمتها.
وكانت القيادة الإسرائيلية علي ثقة من أن أحدا لن يطلق رصاصة علي طائراتها.
وقد اقتضت الحكمة السورية الالتزام بالموقف نفسه سواء في أثناء العملية الإسرائيلية في لبنان في يوليو2006, أو خلال عملية غزة التي انطلقت يوم27 ديسمبر الماضي.
ولكن هل تلتزم سوريا الصمت, وتكتفي بما هي عليه من حكمة؟ أبدا, لقد قررت إطلاق حملة من المظاهرات المعادية لمصر, وقادت حملة إعلامية شرسة ضد القيادة المصرية, ولم تخجل القيادة السورية وأدواتها أن يطالبوا مصر بالحرب وطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة السلام ووقف التعامل مع إسرائيل وفتح معبر رفح.
ومن جانب آخر فإن سوريا مازالت تعمل بكل قواها من أجل مفاوضات مباشرة مع إسرائيل بحثا عن اتفاقية سلام, والمهم أن القيادة السورية تطالب بإجراء هذه المفاوضات تحت إشراف أمريكي. وكانت تركيا قد لعبت دورا في المرحلة السابقة وتمكنت من عقد جلسات مفاوضات غير مباشرة بين الإسرائيليين والسوريين.
وهكذا تبدو الازدواجية السورية في أبرز تجلياتها, تهاجم السلام المصري ـ الإسرائيلي, وتسعي من أجل سلام سوري ـ إسرائيلي.
وعلي النهج نفسه تهاجم الولايات المتحدة, وتطالب في الوقت نفسه بدور أمريكي فاعل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
وإذا ما انتقلنا إلي حزب الله ورئيسه حسن نصر الله, سنتبين أن الرجل لم يكتف بالمظاهرات التي احتشدت أمام السفارة المصرية بالعاصمة اللبنانية بيروت, بل شن حملة سباب غليظة تجاه مصر ورئيسها وشعبها, واتهم الرجل السلطة المصرية بالخيانة والتعاون مع إسرائيل في حصار الفلسطينيين بقطاع غزة والمشاركة في العمليات التي تستهدف أهالي غزة. وتمادي الرجل إلي حد مطالبة الشعب المصري بالتحرك لفتح معبر رفح لإنقاذ الفلسطينيين, ومطالبة القوات المصرية المسلحة بالانقلاب علي النظام. ولم يكن حسن نصر الله يعلن موقفا شخصيا أو حتي لبنانيا, بل كان يعبر عن سياسة وأهداف إيرانية, فالرجل ليس أكثر من أداة أو بوق يردد ما يطلبه منه سادته دينيا وسياسيا واجتماعيا وماليا.
ومع أن قادة حماس وعلي رأسهم خالد مشعل طالبوه بنصرتهم بفتح جبهة ثانية في شمال إسرائيل تخفف من حدة ضغوطهم علي غزة, إلا أن الرجل لم يستجب وأعلن أن حزب الله لن يقدم علي أي عمل عسكري ولن يطلق أية صواريخ علي أهداف إسرائيلية.
وعندما انطلقت أربعة صواريخ من طراز كاتيوشا قديمة الصنع من قرية الظهيرة بالجنوب اللبناني الذي تسيطر عليه قوات الجيش والقوات التابعة للأمم المتحدة يوم8 يناير, سارع الرجل بنفي علاقته بهذه الصواريخ, وقال بملء الفم إن حزب الله لم يتورط في إطلاق هذه الصواريخ. وإذا ما لاحظ القارئ كلمة تورط لتبين أن الرجل يري أن أي إطلاق للصواريخ علي أهداف إسرائيلية ليس أكثر من ورطة, وهكذا وبكل بساطة, أعلن حسن نصر الله أن علاقته بالعملية العسكرية الإسرائيلية في غزة لن تزيد علي التظاهر والهجوم علي مصر وعدد من الملوك والرؤساء العرب. والمهم بالنسبة للحزب, الانتخابات المقبلة في لبنان التي يخطط للسيطرة علي لبنان من خلال صناديق الانتخابات.
وأمام حمام الدم, ومئات القتلي والجرحي, اكتشف قادة حماس أنهم وحدهم تماما في هذه الحرب. وهذا وحده مأساة. والمأساة الأعظم أنهم تركوا أهالي غزة في مواجهة النيران الإسرائيلية, واختفوا تحت الأرض بعيدا عن هذه النيران, أي أنهم تخلوا تماما عن مسئولياتهم كسلطة, فانهارت المؤسسات الموجودة أو ما تبقي منها.
هذه اللامبالاة بأرواح الناس وبأعداد القتلي الكبيرة جدا وأرقام الجرحي التي تقترب من رقم الـ4 آلاف جريح, وهذا التبلد وهم يتابعون تدمير وتخريب منشآت القطاع ومرافقه, لم يحرك فيهم شعرة, ولم يدفعهم للعمل لوقف هذه المجزرة, وألقوا باللوم علي مصر والعرب وأمريكا ومجلس الأمن وأوروبا كل الأطراف مسئولة, أما هم, فلا, وما لا يمكن فهمه, هو اقتناعهم بأنهم يحققون انتصارا علي إسرائيل.
وأي انتصار هذا, إذا كان الثمن بهذه البشاعة؟!! ثم كيف يقبلون أن يكونوا مجرد ورقة في أيدي حلفاء تخلوا عنهم, وتركوهم يواجهون المحنة وحدهم؟!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق