تفحصت وجوه الأشخاص في صور نقلتها وكالات الأنباء، لما أطلقت عليه "مظاهرات طائفية بشرق القاهرة" عشرات من البسطاء والصبية ينهالون قذفا بالحجارة في هستيريا واضحة، وانتقلت عيناي إلي سطور الخبر الذي يقول إن عددا من المسلمين اتجهوا بعد "أدائهم صلاة العشاء"! إلي مبني ـ حوله بعض المسيحيين إلي مكان لأداء شعائر العبادة الكنسية ـ وهتفوا: "الله أكبر.. الله أكبر"، و"الصحافة فين.. الكنيسة أهي".
ونقلت جريدة "الأخبار" عن مصادر في وزارة الداخلية أن عضوا بجماعة الإخوان "حث مصلين بعد صلاتي المغرب والعشاء علي الاحتشاد لمنع إقامة الكنيسة". غير أن مصدرا مسئولا في الجماعة نفي لموقع "العربية نت" صحة ما نشرته الأخبار، وقال إن "الإخواني المتهم بإثارة الفتنة في الأحداث الأخيرة كان يحث علي بناء الكنيسة بشكل رسمي وقانوني، ولم يقف ضد بنائها عكس ما تصورته الأجهزة الأمنية"، وهنا أشعر بالعجز، لأن المساحة المسموح بها لمقالي لن تكفي كل علامات التعجب التي تتقافز في الذهن! أخذت أنقل البصر بين الخبر كما ورد في الصحف والمواقع الإلكترونية، وبين صور الأشخاص المشاركين في الأحداث شباب وصبية في ملابس رثة، لا ينبئ مظهرهم عن مستوي وعي يختلف عن أولئك الذين ينخرطون في مشاجرات حامية قد تنتهي بالقتل، بسبب تعصب هستيري لأحد أندية كرة القدم! ولا تدل سيماهم علي حياة كريمة تليق بآدميين! كما لا يختلف أي منهم عن ذلك البائس الذي أقدم ـ مغيب الوعي بغسيل مخ أجراه له من لا يريدون خيرا لهذا الوطن ـ علي طعن أديبنا الراحل نجيب محفوظ، مقتنعا أنه إنما يذود بذلك عن الدين، وينال رضا الله ونعيمه في الآخرة بعد ما لاقاه من ذل في الدنيا ! وبصرف النظر عما ستكشفه التحقيقات، لا أعتقد أن أيا من هؤلاء المهمشين، فاقدي الوعي بضغط حياة غير آدمية، هو الفاعل الحقيقي لهذا الجرم، فلو سألت أحدهم عما سيضيره ـ شخصيا ـ أو يؤذي عقيدته، لو أقام المسيحيون كنيسة، أو عشرة أو حتي عشرة ملايين، لن تجد لديه جوابا يقنعه شخصيا!. كما لن يستطيع أحد منهم أن يرد علي تعجبك من أن يخرج الناس من صلاة في مسجد ـ المفترض أنها تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ـ ليعيثوا تخريبا في ممتلكات الناس، وفي دور عبادة يذكر فيها اسم الله!تمنيت لو استطعت الحديث إلي بعضهم، لأري كيف يؤمن بأن دينه هو دين الحق بينما يتعامل معه كما لو كان معتقدا ضعيفا، هشا، لن يستطيع الصمود أمام معتقدات الآخرين؟ وكيف يؤمن أنه يدين بدين العدل بينما ينكر علي شركاء الوطن نفس الحق في التعبد وفق ما يعتقدون؟ وكيف يدلل علي أن دينه يدعو للرحمة والتسامح، بينما يخرج من صلاته ليرهب الآخرين ويحول بينهم وبين عبادة الله علي النحو الذي يرضي عقولهم ويريح أفئدتهم؟ غير أنني وجدت طرفا آخر لديه رد جاهز، هو ذلك المصدر الإخواني الذي قال لموقع «العربية نت» إن "غضب الأهالي مبعثه إقامة شعائر كنسية بشكل سري في بناية مجاورة للمسجد، أما لو بنيت كنيسة بشكل رسمي فسيكون الأمر واضحا للجميع ولا يستطيع أحد أن يقترب منهم" ياسلام! ، ولم يجد أحدهم الجرأة ليقول لهذا المصدر: وإنت مالك يا أخي؟ وهل تقبل أنت أن تجبرك السلطات علي أخذ تصريح لأداء شعائر عبادتك؟ وهل هناك تصريح رسمي بما نراه في كل مصلحة حكومية، وفي كل موقع عمل، عندما يفترش المسلمون الطرقات ويسدونها في وجه أصحاب المصالح عندما تحين أوقات الصلاة؟ أوعندما يحلو للبعض فرش الحصر للصلاة خارج المساجد ويقطعون طرق العبور علي المارة يوم الجمعة، بينما تعاني مساجد قريبة من قلة عدد المصلين؟ هل يستطيع أحد أن ينبس ببنت شفه، معترضا علي تعطيل مصالح الناس، أو إعاقة سير الآخرين؟ ولماذا لم نر هذه الحمية والغيرة علي"الشكل الرسمي" عندما كشف التحقيق حول تجارة الأعضاء ـ الذي سجلت به جريدة "البديل" انفرادا ـ عن تورط مستشفي يدعي لنفسه صفة "إسلامي" في هذه التجارة غير المشروعة؟ ومن أصلا نصبك أنت أو غيرك للتفتيش عن مدي التزام الآخرين بالإجراءات الرسمية؟ يوما إثر يوم، يتضح أكثر فأكثر أن من يستدرجون لإشعال الحرائق الطائفية، والاعتداء علي المصلين المسيحيين كما حدث قبل عامين في احدي قري الجيزة، وفي عرب المطرية قبل أيام، وفي غيرها من الحوادث المماثلة، ليسوا سوي الأدوات، أو الدمي التي تحركها أصابع تدرك تماما ما تريد، وتستهدف القضاء علي هذا الوطن فلا تتورع عن استغلال آلام الفقراء، وطاقات السخط المتنامية لدي المظلومين وسط واقع لا يوفر لهم أدني الاحتياجات الآدمية. وتسهم عمليات غسيل المخ المتواصلة ـ بما قد تحتويه من وعود بمكافآت في الآخرة للمعذبين في الدنيا ـ في دفع هؤلاء المهمشين لتوجيه غضبهم نحو الاتجاه الخاطئ نحو شركائهم من المظلومين في هذا الوطن، بدلا من توجيهها نحو ظالميهم! ويواصل المغرضون إشعال الحرائق في أحشاء الوطن، رغبة في تمزيقه أشلاء؛ أحيانا بالوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين والبهائيين، ثم بين المسيحيين وبعضهم البعض، عبر ترسيم أسقف من خارج الحدود ليشق صف الكنيسة الأرثوذكسية، أو بين المسلمين وبعضهم البعض عبر افتعال معارك بين السنة والشيعة...إلخ.ومن ناحية أخري، يبدو أن الحكومة يسعدها إلهاء الناس في معارك حتي لا تلفت أنظارهم إلي الاتجاه الخاطئ، علي طريقة "بص شوف العصفورة"!، بينما تجري علي قدم وساق عمليات الإجهاز علي ما تبقي لهذا البلد من ثروة وموارد وحضارة وثقافة وكرامة!* ألا رحم الله شوقي القائل "مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق