الجريمة العنصرية التي ذهبت ضحيتها المصرية مروة الشربيني، دفعت البروفيسور بيتر هاينه، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة ‘’هومبولت’’ في برلين، إلى القول إن على الألمان ‘’التعامل بشكل جدّي مع حالة الغضب التي انتابت مصر، عقب مقتل مروة الشربيني’’، وأضاف: ‘’يجب أن نأخذ غضب الشعب المصري بشكل جدي للغاية’’ وعزا هاينه حالة الغضب التي ظهرت في عدد من المظاهرات في مصر، والتي تم فيها ترديد هتافات ضد ألمانيا، إلى أسباب عدة من بينها الاعتقاد بأن مروة قتلت لأنها محجبة، وما تردد من أن رجل الشرطة الألماني أطلق الرصاص على زوج مروة في قاعة المحكمة بعدما اعتقد أنه الجاني لمجرد أن بشرته داكنة. وأثارت الجريمة، التي لم تلق اهتماماً إعلامياً في ألمانيا إلا بعد أسبوع من وقوعها، حالة من الغضب الشديد، امتدت إلى وسائل الإعلام الألمانية نفسها، حيث تساءلت صحيفة ‘’دير شبيغل’’، قائلة: ‘’لماذا بقي مقتل امرأة محجبة لم تسقط ضحية جريمة شرف، مجرد خبر هامشي صغير لمدة أسبوع؟’’. مروة الشربيني تنضم لقائمة تزيد على المئة والخمسين منذ توحيد ألمانيا، رجالاً ونساء من مختلف الجنسيات وألوان البشرة، جميعهم قتلوا لأسباب عنصرية ودينية وثقافية في هجمات شنها النازيون والعنصريون الجدد، ضد الأجانب عموماً، علما أن الغالبية الساحقة من الضحايا، إن لم يكن جميعهم (باستثناء جريمة مقتل مروة) لم يكونوا مصريين أو عربا أو مسلمين. ونشير هنا إلى مقتل جوج جومونداي الشاب الإفريقي العام 1991 والذي جاء للدراسة حين قذفت به عصابة من النازيين من الترام المتحرك، واستمرت المدينة تحتفل بذكراه في شهر أبريل/ نيسان من كل عام. السؤال هنا لماذا جرى الاقتصار في توصيف الجريمة على البعد الديني فقط، وإطلاق صفة ‘’شهيدة الحجاب’’ على الضحية، رغم أن غالبية الضحايا الآخرين لا علاقة لهم بالحجاب أو النقاب أو الإسلام؟ بعض الجماعات الدينية وحركات الإسلام السياسي في مصر وخارجها، صورت هذه الجريمة الفردية، التي ارتكبها عنصري ألماني هو أليكس ايه البالغ من العمر 28 عاماً، وكأنها تندرج في إطار حرب صليبية تشنها ألمانيا والغرب (حكومات وشعوبا) عموماً ضد الإسلام والمسلمين، مما يتطلب بالتالي تنشيط الشعار ‘’حرب الفسطاطين’’ المحبب للقاعدة وشركائها وأمثالها من الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تتخندق تحت ‘’راية الجهاد’’ والتي ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين، وغالبيتهم الساحقة من المسلمين، وبما في ذلك المنتمون إلى الأقليات الدينية، المذهبية، الإثنية، والعرقية كما حدث ويحدث في العراق، السودان، الجزائر، المغرب، الصومال، اليمن، السعودية، وغيرها.وضمن منحى التأجيج الديني، تم إطلاق لقب ‘’شهيدة الحجاب’’ على ضحية هذه الجريمة البشعة، علماً بأن مصر التي تنتمي إليها مروة، شهدت ولا تزال تشهد عشرات الهجمات الإرهابية التي ذهب ضحيتها أعداد كبيرة من المصرين والأجانب، ومن بينهم الكثير من الألمان، كما يتعرض المواطنون الأقباط (6 ملاين نسمة) وهم سكان مصر الأصليون (وفقاً لتقارير حقوق الإنسان الدولية) إلى شتى صنوف التمييز على الصعيدين المدني والديني، ناهيك عن تكرار اجتياح وتدمير مناطقهم وكنائسهم واستهدافهم (كمسيحيين) بالقتل كما حصل أخيرا في العراق. في حين يتمايز التيار الإسلامي المعتدل بمطالبته بمعاملتهم وفق أحكام ‘’أهل الذمة’’. التساؤلات التي تطرح نفسها هنا هي: في ضوء هذه الممارسات المقرفة والشنيعة التي تقترفها الجماعات الإسلامية المتطرفة في مصر وغيرها من البلدان، بل وما تمارسه غالبية النظم العربية والإسلامية، من قمع وإرهاب ومصادرة لحقوق شعوبها عموماً، وحقوق أقلياتها الدينية، المذهبية، الإثنية، والعرقية خصوصاً، هل يحق للغرب أن يوصم الإسلام والمسلمين بالفاشية والعنصرية والتوحش ومعاداة الغرب والحضارة والديانة المسيحية وغيرها من الديانات؟ هل كنا سنشاهد الغضب والاحتقان نفسه، والتصعيد الأيديولوجي والسياسي والإعلامي، لو أن الضحية مروة لم تكن محجبة؟ تلك الهبة الواسعة هل يكمن وراءها وعي حقوقي راق وواضح المعالم يتسع للجميع، بما في ذلك الحق في الحجاب أو خلعه، وضمان حقوق المرأة والرجل المستباحة على أكثر من صعيد؟ أم إن ما حصل من ردود أفعال هو بدوافع أيديولوجية وسياسية نفعية لبعض جماعات الإسلام السياسي التي سعت إلى توظيف الجريمة خدمة لمصالحها وأغراضها الخاصة؟بطبيعة الحال لا نستطيع أن نغض الطرف عن ما يسمى موجة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام) التي اجتاحت الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً وخصوصاً منذ عمليات 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية وما تلاها من عمليات إرهابية استهدفت دولا أوروبية عدة من بينها بريطانيا، فرنسا، وإسبانيا، ناهيك عن بعض التنظيرات والأفكار الغربية التي تستظهر صراع الحضارات والأديان والثقافات، وتركيزها على الإسلام كعدو رئيس للحضارة والقيم الغربية. غير أن مواجهة هذه الظاهرة بقدر ما هي مسؤولية الحكومات والإعلام والنخب ومنظمات المجتمع المدني في الغرب، فإنها مسؤولية الحكومات والمجتمعات العربية والإسلامية ونخبها السياسية والفكرية، وبما في ذلك الجاليات الإسلامية في الغرب، المعنية بإبراز الجانب المضيء والمتسامح والمنفتح والمتفاعل مع الآخر، الذي يتسم به الإسلام المتحرر من سطوة الجمود والتحجر والأدلجة، سواء في مجتمعاتها الأصلية، أو في المجتمعات الغربية وغيرها التي تعيش فيها.ينبغي هنا عدم تجاهل أن عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي يتراوح بين 15 و20 مليون نسمة، يضاف إلى هذه الأرقام وجود 30 مليون مسلم أخرى، في دول القارة الأوروبية خارج الاتحاد الأوروبي، خصوصاً روسيا، وبذلك يشكلون نحو 10 في المئة من سكان القارة الأوروبية. ألمانيا التي حدثت فيها الجريمة، عدد المسلمين فيها العام 2009 وفقا لدراسة ميدانية يتراوح بين أربعة ملايين نسمة يشكلون نسبة 5% من تعداد سكان ألمانيا. ومن بينهم نحو 35 إلى 50 ألف مصري، وأشارت الدراسة إلى أن 45% من أفراد الأقلية المسلمة بالبلاد يحملون الجنسية الألمانية (نحو 1.9 مليون نسمة) في حين يحتفظ 55% منهم بجنسيات بلدانهم الأصلية كما أن هناك نحو 15 ألفاً من الألمان قد تحولوا إلى اعتناق الإسلام. وتشير التقديرات الرسمية إلى وجود 2500 مصلٍّ في ألمانيا، إضافة إلى أكثر من 300 مسجد، ونحو 400 هيئة ومؤسسة إسلامية، وعشرات من المراكز الإسلامية منتشرة في المدن الألمانية الكبرى حالياً. لنقارن الحال في ألمانيا بحال غالبية البلدان والمجتمعات العربية والإسلامية وما فيها ينبغي التوقف ملياً أمام حقيقة أن هجرة غالبية العرب والمسلمين لألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي جاءت بفعل الأوضاع المتدهورة والمتفاقمة في بلدانهم (العربية والإسلامية) الأصلية وعلى جميع المستويات الاقتصادية، السياسية، الدينية، المذهبية، الأمنية، والحقوقية.
- كاتب سعودي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق