28.11.09
الحريه فى تغيير المعتقد فى الغرب بقلم الأستاذه أحلام اكرم ( إيلاف )
لفتت نظري تعليقات القراء حول تحول الفنانه الفرنسيه ديامس إلى الإسلام. خاصة وأن العديد منها خرج عن أصول وأدب الحوار إلى دفاع مستميت عن دينه ومعتقده.. بدون تروي ولا عمق في نظره موضوعيه إلى ما قد يحمله معتقده من خطأ أو صواب وفي حالات عديده من تناقض. مما أفقد الحوار الهدف المأمول منه.. وهو المصلحه المشتركه للجميع في الوصول إلى حل يخدم مصالحهم في العيش المشترك.. وفي تغيير الصورة القاتمه للعرب والمسلمين في الغرب فيما يخص قضايا حقوق الإنسان.... لم أهتم للحدث نفسه لأنه في رأي خيار وحرية شخصيه.. ولأني أؤمن في أعماقي بأن الهدف الأكبر من كل الرسالات السماوية هو تنظيم المجتمع.. وأن الأنبياء رجال عظام تحدوا مجتمعاتهم الفوضويه بهدف سامي هو تنظيم هذه المجتمعات وإحداث ثورة فكريه في عصرهم تساعد هذه المجتمعات على الرقي والإرتقاء لما يخدم مصلحة الجميع في ظروف معيشيه صعيه لم نعيشها. وسيطرت علينا وعلى خيالنا أسطوراته.. التي ومن الطبيعي أن يكون الإنسان قد بالغ في الكثير منها.. لأن الحقيقه هي أن كل الكتب السماويه التي نؤمن بها وتعطينا الإحساس بالراحه النفسيه.. وأحيانا الأمل.. خاصة وحين تتطرق إلى المجهول الذي نتشارك كلنا في الخوف منه.. وهو الموت.. كتبت بعد موت هؤلاء الأنبياء..وكتبها بشر مثلي ومثلك.. ومن غير المعقول أن هؤلاء الكتبه البشر لم يتلاعبوا خلال كتابتهم.. مما وبالتأكيد قد يؤثر على المعنى..
أخذتني تعليقات القرّاء إلى قصة عايشتها في أوائل الثمانينات..وفي بداية إغترابي عن العالم العربي.. عرفتها وأسرتها الصغيرة اوائل الثمانينات في بداية غربتي عن البلاد العربية إلى لندن.. ودهشت حين سمعت بعد سنتين من علاقة معرفة عادية.. بأنها وزوجها إرتدا مؤخرا عن الإسلام وأن العائله الصغيرة إعتنقت الديانة المسيحيه.. اخبرتني أن أحد الأسباب الرئيسيه التي دفعت بهما للإرتداد.. شعورها العميق بالإغتراب ورفض نساء الجالية العربيه المسلمون إدماجها وزوجها في المجتمع العربي نظرا لثقل دمهما.. وأنها وفي ليلة ميلاد إبنها وبينما تعاني الآم الوضع طلبت من العديد من العائلات ترك إبنها لديهم لحين عودتها بعد الوضع.. وتحجج الجميع بالإنشغال إلى أن طرقت بيت أحد جيرانها البريطانيين الذين لا تعرفهم.. والذين تطوعوا بدون تردد للإعتناء بالطفل لحين عودتها بعد الوضع.. وان تلك العائله المسيحيه الغريبه عملت على إخبار الجيران من حولها بحاجتها للإعتناء بدون سؤال عن جنسية أو دين.. بحيث نظموا أنفسهم لعدة أسابيع لزيارتها منفردين لنصف ساعه يوميا وإحضار بعض الطعام للعائله الصغيرة..وكان من بينهم قس من أصل عربي تبناها وعائلتها الصغيره ليقلل من إحساسها بالإغتراب.. وأن هذا الإحساس بالتعاطف هو ما جعلها تعيد النظر في كل ماإعتقدته سابقا من تعاضد وتعاطف المسلمون حين لم تجد الحنان ولا الرحمة عندهم بينما وجدتها في معتنقي الديانه الأخرى..
بعد ذلك سمعت عن تبرأ أسرتيهما منهما وبدأ سيل من من أفراد الجاليه العربية المسلمة زيارتهما ومحاولة إقناعهما بالعدول عن الإرتداد وبعضهم لم يتوانى عن تهديدهم بالقتل أو الحرق.. بحيث لم تستطع العائله إحتمال الضغوطات من حولها إضافة إلى إحساسهما بالنبذ من كل معارفهم.. وقررا الهجرة إلى الولايات المتحدة.. وإختفت أخبارهما.. لم أعط الموضوع أي إهتمام في ذلك الوقت وحتى السنوات الأخيرة.. ربما لأن جميع من كان حولنا آنذاك أجمع على أنها إنسانه غير عاقله وضعيفه جدا بحيث أنها سقطت في اول إمتحان إيمان يواجهها.. إضافة أنه لم تكن بيننا علاقة وطيدة ولم يكن لدي الإهتمام الكافي لقضايا الحقوق..
ولكن وفي السنوات الماضيه.. بدأت تساؤلاتي حينما بدأت أغوص في كلام فقهاء الدين.. حينما بدأت أسمع عن قصص تحول بعض المسلمين إلى ديانة أخرى ومواجهتهم صعوبات عدة في إستخراج جوازات سفر جديده ووثائق حكوميه جديده لتسجيل أبنائهم في المدارس وغيرها من الوثائق التي يحتاجونها في معاملاتهم القانونية والقضائيه.. يقابلها التسهيلات الكبيرة التي تقدم للمتحولين إلى إعتناق الإسلام في العالم العربي.. بينما لا يواجه أي من المتحولين من أية ديانه أية صعوبات ولا تعقيدات في الدول الغربيه..لأن كل هذه الدول تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يسمح بحرية العقيده.. مع التساوي امام القانون.. وأيضا عدم ذكر الديانه في جوازات السفر لأنها ثانويه في رأي المشرع القانوني في هذه الدول..
بعدها عرفت بفقه الولاء والبراء.. والذي يعني تبرؤ المسلمين من كل من يصاحب أو يوالي الكفار... وبالتأكيد زاد عمق تساؤلي.. هل أخطأت هذه المرأه حين إستجارت بجارتها الكافرة لمساعدتها بعد أن خذلها كل أصدقاؤها المؤمنون... هل حقا أن إيماننا المطلق يمنعنا من مصادقة من يختلف عنا دينا أو جنسية.. هل إيماننا يدعونا لتكفير هذه المجتمعات التي إحتضنتنا إلى أن يهديهم الله للإيمان بديننا فقط..وهل الإيمان سيضطرنا إلى الهجرة من هذه البلاد للعودة إلى بلاد الإيمان التي تتمتع بالعدالة الإجتاعيه وبالمساواة وسيادة القانون..؟؟؟بعد قراءة التعليقات حول تحول ديامس إلى الإسلام.. دفعني الفضول أكثر أن أتعمق في محاولة فهم هل حقا هناك حرية في الإعتقاد أم أننا وفي محاولة تجميل ما درسناه ونشأنا عليه نخلط الأمور فتارة نستعمل آية ""لا إكراه في الدين"".. لتبرير قبولنا بالأديان الأخرى وتارة نستعمل "" إن الدين عند الله الإسلام"" وأخرى "" لا يقبل الله بغير الإسلام دينا "" تبعا لمن هو السائل..
ثم والأهم..ألم يحن الوقت لأن ندخل في عملية نقد إيجابي لأصول الدين بدلا من التشويه المستمر الذي نسمعه من فقهاء الدين؟؟؟ ألم يحن الوقت أن ندخل في عملية حوار موضوعيه و بفلسفة فكرية بسيطة وبدون تجميل..أن نغوص في أعماق التاريخ ونتخيل عالم ماقبل الأديان وقسوته لنحاول فهم معنى الرده.. لنتخيل رجل الصحراء.. وحاجة الفرد لأن يكون جزءا من القبيله حماية له من قسوة الصحراء وايضا لكي يضمن لقمة عيش.. وعليه فإن الإرتداد عن الدين كان يعنى الخروج من القبيله.. وفقدان حمايتها لأنه وفي صحراء قاحلة وقارصه فإن مصيره محتوم بالموت.. وقد يكون الموت على يد أبناء قبيلته أرحم من موته البطيء في الصحراء القاسيه..
ولكن وفي عالم اليوم يستطيع الفرد الإستقلال التام عن قبيلته أو عشيرته خاصة الإستقلال الإقتصادي ومقدرته على الحياة.. مع إبقاء الروابط الأسريه (القبليه ) في نطاق ما تحتاجه النفس السويه لهذا الدفء والترابط الذي يعطي الإستقرار النفسي.. وعليه ينتفي حد الرده في هذا العصر والزمن.. القارىء المتمعن في كتب التراث يجد بانه لم تحصل أي ردة خلال حياة النبي "سلام الله عليه " بحيث لم يطبق هذا الحد... وأن أبو بكر هو الذي امر بتطبيق حد الردة بعد وفاة النبي وإرتداد بني حنيفه.. وان السبب الرئيسي لإرتدادهم..إعتقادهم بأن أبناء قبيلتهم أولى بأموال الزكاة التي كان لهم النصيب الأكبر في دخلها نظرا لأن أراضيهم كانت من أخصب الأراضي وتغل محصولات زراعيه متنوعه يعمل جزء كبير من قبيلتهم بها.. وكانت منطقتهم مشهورة بإنتاج القمح.
ما كتبه أحد المعلقين بأن السيده عائشه من أكبر رواة الحديث.. قد يكون صحيح.. ولكن أليس هذا الصحيح ذاته الذي يجب أن نخضعه للبحث والنقد.. خاصة بعد فتوى إرضاع الكبير التي فتحت باب الإستهزاء والإرتباك بين النساء في العالم الإسلامي في التناقض الكبير الذي تحمله.. فبينما ترضخ المرأه للحجاب او النقاب.. تأتي مثل هذه الفتوى لتحط من قدرها.. ومن إلتزامها حتى بالحشمه..؟؟؟.. مثل هذه الفتاوي ذاتها هي التي ومن الواجب أن تحث المسلمين على إعادة النظر في معظم قضايا الدين.. ولكن فقهاء الدين أكدوا على وجود حديث " من بدّل دينه فاقتلوه " وهنا أجد نفسي ملزمه بان أكون صادقه مع نفسي وأن لا أدافع عن أي قضية مهما كانت وأنا أعلم بأنها تتعارض مع روح الدين.. وأجزم بأن حديث النبي "" من بدّل دينه فأقتلوه "" حديث دخيل على القيم التي نادى بها الدين..وأنه إفتراء على النبي " سلام الله عليه "" خاصة وأن الأحاديث كلها كتبت بعد وفاته بسنين... إن أسؤأ ما جاء به منظّري الصحوة الإسلاميه.. تفريقهم بين معتقدي الأديان حتى المواطنون منهم.. وأفتوا بسواد قلوبهم بتكفير الآخر.... وحّرموا حرية المعتقد بدل الأخذ بأن " لا إكراه في الدين ".... وهو الفرق الكبير بين الدول الإسلاميه ودول الغرب.. فحين إنتصرت في الغرب إرادة الإنسان في فصل الدين عن الدوله والإمتثال للقوانين البشريه التي تساوي بين المواطنين وتحفظ لهم حريتهم على إعتبار أن هذه القوانين هي روح الدين.. ’حرّمت هذه الحريات في معظم الدول الإسلاميه..والآن وبعد أن كشفت الثورة المعلوماتيه كل العورات.. وجعلت العديد من دول العالم يتندر بعورات الديانات كلها وخاصة الديانة الإسلاميه.. فإن الواجب والمسؤوليه يحتمان أن نبدأ نحن أيضا في حوار صادق ومفتوح لردم هذه العورات كما ردمها اليهود والمسيحيون..
سيدي القارىء.. نعم.. هناك الكثير من العورات والثغرات في الديانات الأخرى و لكن هذا لا يجب ان يمنعنا من الغوص في العورات التي إبتدعها رجال الظلام والتي أصبحت مكشوفه أكثر في الإسلام.. لأن الديانات الأخرى بعد عصور الظلام وهيمنة الكنيسه أخضعت كل عيوبها وثغراتها لثورة عارمه أدت إلى تحكيم العقل والخروج الطوعي من السلطان الغيبي عليه.. حرية المعتقد والدين حرية خاصه مكفوله في الديانات الأخرى وإن كرهتها.. ولكنها لا تّعرض المرتد لمنتهى القسوة أو القتل وحتى عدم التسامح.. بينما يرفض المسلمون إخضاع أي شارده أو وارده في الدين للمنطق وللعقل..
الطريق الوحيد للعالم الإسلامي لردم الهوه الحضاريه..هي في البدء بالنقد الذاتي.. والبدء بفصل الدين عن الدوله.. وهي المهمه الضروريه لإزالة التشويه الذي ساهم به فقهاء الدين وغضت الحكومه الطرف عنه خلال العشرون سنة الماضيه.. وحان الوقت لتلعب الدوله الدور المنوط بها من أجل حماية حقوق كل مواطنيها وترسيخ الديمقراطيه.. بالبدء في فصل الدين عن الدولة.. بالإقناع أو حتى بالإكراه.
باحثه وناشطه في حقوق الإنسان - لندن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق