2.10.09

نقسم بالله العظيم ... مسلمين و مسيحيين ..... أن نبقى موحدين بقلم الأستاذ مصطفى السرتى ( المصرى اليوم )

مصطفى السرتى
(يحيا الهلال مع الصليب) جملة رددناها منذ سنين وستظل إلى أبد الآبدين « فالدين لله والوطن للجميع».. والمسلمون والمسيحيون تجمعهم ثقافة واحدة، ولغة واحدة. وتاريخ طويل من المحبة والإخاء، كان أساسه الود والاحترام المتبادل.. بعيدا عن إرهاب الفكر وبلطجة العقول.. بل ومن المسلمين والمسيحيين من تجمعهم معاناة واحدة وهى انعدام الفرص فى أوطانهم.. فهاجروا للبحث عن وطن آخر يجدون فيه الديمقراطية والحرية وكرامة الإنسان.. بدلا من أن يتشدقوا ويقولوا إنهم مضطهدون من أجل الدين!! من بين الطيور المهاجرة نجمة تألقت فى سماء استراليا وهى أستاذة جامعية بجامعة «سيدنى» وهى مسيحية لبنانية الأصل هى الدكتورة «نجمة حجار» التى كتبت تحت عنوان «معرفة الذات واللقاء الإسلامى المسيحى» من خلال تجربتها عبر مجلة العربى الكويتية. إليكم بعض ما قالت لتؤكد لنا كيف يكون التواصل والاعتزاز والاحترام لكل من حولنا دون النظر إلى إيمانهم أو دينهم.. فقد كتبت تقول: «اخترت لفظة لقاء» فى عنوان مقالى بدلا من (حوار) لأن الحوار خاصة كما عرفناه فى إطار السياسة اللبنانية يوحى بالكلام بين طرفين متخاصمين بعد عداوة أو اعتداء.. وهذا لا ينطبق بأى شكل على منتدانا الليلة، أو على المسيحيين والمسلمين فى استراليا. فكان أول أصدقائى فى سيدنى مسلمين نساء ورجالا من مناطق مختلفة من لبنان والوطن العربى التقيت بهم لأول مرة وما أود أن أقوله أن صداقاتى فى استراليا قامت من البداية دون سؤال (شو دينك؟). الذين عجزوا عن فهم انفتاحى سألونى أكثر من مرة كيف يمكنك أن تثقى بهؤلاء الغرباء؟ ناس مش من ديننا ولا من دينهم؟ ولكن الحقيقة أن هؤلاء الناس بالذات هم الذين عرفونى على استراليا وهم الذين جعلوا استقرارى فى استراليا سهلا وحقيقيا وأنا مدينة لهم بذلك.. رجل لبنانى مسلم كان أول من عرفنى على الجالية العربية وهو الذى عرفنى على طالبة جامعية مسلمة وهى عرفتنى بدورها على أستاذها العربى المسلم الذى قبل طلبى لدراسة الدكتوراه فى قسم الدراسات العربية الإسلامية. ومازال زميلا وصديقا لا يقدر بثمن.. ولدت فى بلدة جنوبية فى لبنان من أم قديسة بإيمانها البرىء الذى لا يطرح الأسئلة وقلبها يسع كل العالم دون النظر إلى إيمانهم أو دينهم شعارها فى الحياة «كل من على دينه الله يعينه» أبى وعيت عليه يقرأ الكثير ويحكى القليل، من هذا القليل حكى لنا كيف هدد باللجوء إلى الشيخ لأن الخورى رفض تزويجه. هو الرجل الروم الكاثوليكى من امرأة مارونية وعلى الرغم من الرفض أصبحت زوجته وأما لأولاده التسعة. تفكر دائما بالمرأة المسلمة كنموذج للتفانى فى الصلاة وتقول لنا بعفوية «المرأة المسلمة لا تقوم عن صلاتها حتى لو زلزلت الأرض من تحتها» لغاية اليوم تتمنى أمى لو يكون لها تعبد المصلية المسلمة وتتحسر لعجزها عن قراءة الإنجيل مثلما كان يفعل أبى.. فى يد أبى رأيت لأول مرة الإنجيل والقرآن. منه سمعت لأول مرة فى حياتى عبارات مثل «بسم الله .. وأعوذ بالله.. ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم» .. لم أفهم غضب الراهبة يوم كانت تشرح لى تاريخ صدر الإسلام وتبرعت بأن أجلب من البيت نسخة من القرآن الكريم ليراها رفاقى فى الصف وما فهمت غضبها فى مناسبة أخرى عندما حلفت «بالله العظيم» لأنى مسيحية يجب أن أقول «وحياة الله..أو وحياة بيي» تذكرت تلك الراهبة حيما شاهدت على التليفزيون مسيرة جنازة الصحفى النائب جبران توينى فى بيروت. كانت مكبرات الصوت تردد كلماته المسجلة ويرددها المشيعون «نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحدين» كم تساءلت يومها: تُرَى ما العقاب الذى يمكن أن تفرضه الراهبة على جبران توينى لو أنها سمعته يقسم بالله العظيم؟!! واستأنفت دراستى بقسم الدراسات العربية الإسلامية بإشراف أكاديمى عربى مسلم ذى أخلاق علمية عالية ومعرفة بالإسلام والمسيحية وهو الذى قادنى فى مسيرتى الفكرية وعرفنى على عدد من المفكرين العرب المسلمين والمسيحيين الذين يؤمنون مثلهم بقيمة الإنسان، من هؤلاء أذكر بشكل خاص «أمين الريحانى.. وإدوارد سعيد» كل منهما كان أمريكيا عربيا ولكن نشاطهما وأعمالهما الفكرية يعكسان التزاما متكافئا بقضايا المجتمع وقضايا الإنسان فى العالم. فكان الريحانى أول مسيحى عربى ترجم الثقافة العربية والإسلامية للغرب وخاصة فى الولايات المتحدة وفى عصرنا الراهن يقوم بهذه المهمة إدوارد سعيد الذى حتى بعد وفاته مازال أبرع وأشجع المدافعين عن العرب والمسلمين والإسلام فى الغرب منذ أكثر من ثلاثين عاما وبسبب دفاعه عن الإسلام اتهم بأنه «أستاذ وبروفيسور الإرهاب» فكان دائما يشدد على فهم القرآن لفهم الإسلام.. وخلاصة القول أنه لاشك على الرغم من بعض الصعوبات خاصة خلال الأزمات يمكن أن نتتبع تاريخا طويلا ومستمرا من التعايش المسلم المسيحى فى الثقافة والمجتمعات العربية.. ومما لاشك فيه أيضا أن الجهل يسبب التعصب وبالمعرفة فقط يولد التفاهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق