14.10.09

السلع الأسلاميه بقلم الدكتور شريف حافظ عن اليوم السابع

حضرت منذ عام تقريباً مؤتمراً فى جامعة برلين الحرة، بالعاصمة الألمانية، حول السلع الإسلامية. فى البداية، اندهشت لاسم المؤتمر. ولكن بعد أن حصلت على ملخص للمؤتمر، فهمت المغزى وعرفت لماذا يهتم الغرب بدراسة مثل تلك الظاهرة. فلقد كان المؤتمر يناقش ظاهرة "أسلمة" السلع، ليواكب انتشار الإسلام السياسى فى المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية. إنه العنوان الذى يُعطى للسلعة كى يتم بيعها فى "وعاء" يسمى "ظاهرياً" بالمسلم، مثل عروسة الأطفال "الإسلامية "فُلة" المحجبة"، حيث منعت السعودية دخول عرائس "باربى"، لأنها ضد "المعايير" الإسلامية للمملكة، وبالتالى رأى منتج إماراتى وآخر سورى أن يقوما بصناعة "فُلة"، التى تُشبه "باربى" تماماً ولكن ترتدى حجاباً. وهذا مُجرد مثال بسيط.ولقد استفادت الشركات "الغربية" من هذه الظاهرة جداً. فمثلاً، استفادت شركة ألمانية من ذلك، فقامت بصناعة العروسة "جميلة"، وتطورت الفكرة، لتصنع العائلة بأكملها. فلجميلة طفلين، هما أسد وألميرا!! وفى هذا الإطار تستفيد الشركة المصنعة فى بيع منتجاتها الأخرى، حيث أُجيزت لأنها "تطرق" الوتر المحبوب لدى "الإسلاميين"، فتبيع أيضاً الأحذية والمجوهرات!!وفى غير مثال العرائس، أدركت دولاً مهمة مدى الفائدة التى تجنيها من عادات الدول الإسلامية، فكانت الصين خير مثال. فلقد درس المارد الأصفر العادات والتقاليد للمجتمعات التى تقطنها أغلبية مسلمة، فقامت بصناعة سجاجيد وبوصلات الصلاة، بالإضافة إلى رنات الآذان والمصحف المرتل. ولا يوجد أى إشكالية هنا فى أن من صنع كل هذا، لا يمت للإسلام بأى صلة تُذكر!! أى أن المعايير "الإسلامية" تُجيز أن يقوم من لا يؤمن بالأديان السماوية الثلاثة، وبالأصح، من لا يؤمن بالله أصلاً، بأن يصنع سلعاً للإستهلاك الإسلامى! ورأى الغرب أن تلك المعايير لابد أن تُدرس، كى يستغلوا هم أيضاً السوق بسلعهم "الإسلامية". وبينما يستهلك الإسلاميون السلع الإسلامية، المصنوعة من قبل أُناس لا يؤمنون بحرف مما يعتقدون به، عن طيب خاطر، فإنهم وباستخدامهم الكيل بمكيالين، يكفرون المسلمين هنا، ممن يريدون إيقاظهم من غفلتهم، لأنهم يقولون الحق، حول ما يقومون به من موبقات مُستغلة للدين!!وبالطبع، فإن هناك فى ظل التصنيع الإسلامى، منتجات محلية الصنع، أو ذات عناوين محلية. فقد انتشرت عبارة إسلامية على محلات لا علاقة لها بالكلمة، مثل "المحمصة الإسلامية" و"الجزارة الإسلامية" و"الملابس الإسلامية".. ولا أعرف ما علاقة محمصة، "لقزقزة" اللب والسودانى، بالدين!! ولكن تلك القصة انتشرت بشكل مُريع. وأصبح هناك رنات موبايل إسلامية ويمكنك وعندما تتصل بشخص أن تسمع القرآن بدلاً من رن الجرس. وبينما أرى فى أسماء المحال المختلفة إشكالية، يجب وأن تُحل تدريجياً، لأنها تُشكل استهزاء غير مسبوق بالدين، فإننى أرى أن مسألة الرنات الدينية على الهاتف النقال أو ما نسميه فى مصر بالموبايل، لمسألة خطيرة للغاية، لعدة أسباب، من بينها:أن الشخص المطلوب يمكنه أن يرد بينما آية تُقرأ، فتُقتطع فى منتصفها مشوهة كلمات القرآن. فهل تلك من ضمن المعايير "الإسلامية" للسلع التى يُمكنها اختراق دولنا؟؟وثانى تلك الأسباب، أن الرنات لم تُصبح فقط إسلامية، ولكن قبطية أيضاً، مما يُمكنه أن يُشكل مأزقا "طائفيا" فى أى مكان فى مصر. ولدى مثال على هذا الموضوع: فلقد حضرت يوماً فى بنك. وبينما أجلس منتظراً دورى، إذا بى أسمع رنة "إسلامية" عن يمينى، ولم يرد صاحب الموبايل، فاستمرت النغمة، طيلة الوقت لمن يغنى أنشودة إسلامية. وكانت تتردد بقوة فى البنك الذى كان يسوده السكون. ثم وللمفاجأة الكُبرى، رن موبايل الرجل الجالس على يسارى، فكانت ترنيمة مسيحية، ولم يقم الشخص الجالس على يمينى بالرد هو أيضاً، مما جعل النغمة تتردد فى سكون البنك لمدة دقيقة تقريباً، فشعرت وكأننى أجلس فى مجمع أديان، ولكن على شفا شفير من الانفجار!! وكان الناس ينظرون إلى بعضهم البعض بابتسامة فاترة أو توجس وريبة، بينما النغمتان تعزفان موسيقاهم التبجيلية. أين؟ فى بنك! فما علاقة هذا بالمعايير "الإسلامية"؟وقد انتشرت فى المحال التجارية مؤخراً، ظاهرة "تشغيل" شريط قرآن، بينما الناس تتسوق. لقد كنت مؤخراً فى إحدى المحال التجارية المشهورة، أشترى الحاجيات الغذائية، وبينما القرآن يُقرأ فى المحل التجارى، إذا برجل ينادى زوجته بصوت عال لتأتى ترى سلعة معينة؛ وطفل يصرخ جارياً فى المحل؛ والناس يتكلمون مع بعضهم البعض بشكل طبيعى للغاية، وكأن ما يتلى عليهم أغنية وليس شريطا للقرآن الكريم! فهل المحل التجارى مسجداً، لابد أن يدخل إليه المسلم فقط، أم أن لدينا آخرين غير المسلمين فى هذا الوطن؟ ولا أعرف، كيف يتم تشغيل شريط قرآنى فى محل تجارى يعج بزبائن جاءوا لغير الغرض الدينى، بينما الله يقول: "وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون"!! فأين المعنى بعد ذلك؟؟إننا نتكلم هنا عن إشكالية، جعلت من الدين سلعة، وبشكل رسمى وليس مجرد نظرى. ولقد أخطأ الغرب حينما قام بتصنيع ألعاب إلكترونية للأطفال، تواجه الإسلاميين ولكن الغرب "الرأسمالى" كثيراً ما انتقد بنفسه رسمياً تلك الألعاب، من خلال وقف إنتاج بعضها، لأنها تحمل واجهة عنصرية ضد الآخر. ولكن هناك من الإسلاميين من رد، بصناعة ألعاب تحض الطفل المسلم على العنف أيضاً، بحيث تقوم فكرة اللعبة على قتل الجنود الأمريكان أو أُناس من الغرب الذين يوصفون بالكُفر، ومن يقتلهم من الأطفال يفوز باللعبة. فان كنا نربى أولادنا على القتل، دون السياق، فهل هذا يتوافق مع مجمل الدين؟ بل هل يجوز الحديث مع الطفل، وهو طفل، عن مسألة القتل والدم والعنف وهو لم يعِ بعد؟ إنها ليست ألعابا ولكنها تؤجج العنف فى الطفل وتبعده عن فطرته السمحة والمعبرة عن الدين تماماً. وبصراحة فإننى لم أقرأ فى نصوص الدين ما يحض على هذا ولكنى قرأت آية "اقرأ"، فلم أجد إلا فيما ندر، طفلاً مُسلماً يقرأ! وكنت أظن أن الإسلاميين يطبقون كلام الله، وكنت أظن أن أكبر نسبة للقراء من الأطفال، من المسلمين، لأن زيادة عدد من يقرأ، لهو تطبيق لأمر من الله، ولكن خاب أملى ووجدت أغلبهم، ولا أقول كلهم، يتكلمون عن جهل مؤجج!إن السلع الإسلامية المصنوعة فى الخارج تشمل، البخور والملابس الدينية والإلكترونيات والألعاب وبرامج الكمبيوتر وغيرها. ولا اعتراض يصدر على أن مُصنعى تلك السلع من غير المؤمنين بالله ولا بأنهم يجوز كونهم يهودا على سبيل المثال، وهو أمر غير مستبعد، لأن تلك الظاهرة إنما تدل على عقلية استهلاكية تبحث عن العناوين وليس عن الجوهر، بالتأكيد!! وكلما انبهر الناس بالعناوين واندفعوا وراء مشاعرهم ولم يفكروا فى جوهر الأمور، كلما توطدت وزادت الهزائم، وبالتالى فإن الخارج يلعب على تأكيد الظاهرة بما لا يدع مجالاً للشك، ويساعده فى ذلك بالطبع "الإسلاميون" الذين يهمهم الشكل فقط، فبالنسبة لهم، "نصف العمى ولا العمى كله"، وبالتالى الشكل أفضل من الفعل، لأن الشكل يُساعد على الوصول للفعل، ولكن بعد كل السنوات الماضية مما سُمى بالصحوة الإسلامية، مازالت كل أوبئة المسلمين موجودة بل زاد الفشل، وبالتالى فإن الثقافة التى يقومون بصنعها من خلال نشرهم مُسمى الإسلام وعادات "ظاهرية" و"مفتعلة" للإسلام، لن تُجدى، ويبقى العلم، هو الأهم، مهما حدث، لأن العلم هو الذى ساعد على نشر الإسلام، فى المقام الأول، وليس غيره!إن ما نراه من مُسميات وسلع، لا يُعبر بالضرورة عن مضمون دينى. إنه مجرد مسمى ليس إلا. وما لم يشعر الإنسان بالمحتوى ويفهمه ويعبر عنه ويشعر داخلياً به، لا يمكن أن ينجح. فليس الأمر فى عروسة مصنعة فى ألمانيا ولا سبحة مصنعة فى إنجلترا ولا سجادة صلاة مصنعة فى الصين ولا بخور مصنع فى فرنسا، ولكن الأمر فى العقل الذى يُمكنه أن يتواصل مع العالم ويُدرك طريقة التفكير التى وصل بها إلى ما وصل إليه، كى يتم تطويرها وعمل ما يُمكن أن يُقدم للبشرية كلها ما يُمكن أن يجعل الناس ينظرون إلى المسلمين على أساس أنهم جزء من هذا العالم، وليس شرا، يجب الخلاص منه.لقد شاهدت منذ أيام خطاب نتانياهو إلى الأمم المتحدة، حيث تكلم عما قدمه اليهود للعالم من اختراعات وعُلماء. وقال إن اليهود جزء من العالم وليسوا خارجين عنه، وأنهم يساعدون العالم على تقديم منتجات عالمية لمساعدة الجميع من أجل الحياة، على عكس من يحبون "ثقافة" الموت والدمار وينتجون العنصرية، وتكلم بضمير "نحن" على أساس أن إسرائيل جزء من العالم، متحدثاً عن الناس أجمعين، عندما قال: "وسنفك الشفرة الجينية"! وهذا هو الفرق، حيث يقدم اليهود أنفسهم على أنهم جزء من العالم، رغم اختلاف دياناتهم عن الأغلبية القصوى، ويستميت الإسلاميون فى النظر إلى العالم على أنه مختلف عنهم وأنهم الأصلح والأميز، ولا أعرف من أى ناحية، حيث لا يتراءى لى أى نجاح من قبلهم!!إن مسألة السلع الإسلامية، لهو أمر مفيد مادياً للغاية لغير المسلمين فى الخارج، لأنهم يلعبون على وتر استهلاكى، ظاهرى. وهو أمر ليس مفيدا بالقطع لنا هنا فى مصر، حيث يؤجج النعرات التشددية. وفيما عدا سجاجيد للصلاة وربما الملابس الدينية وبعض رموز المعتقد (والتى يمكن تصنيعها كلها وطنياً)، فإن أغلب ما دون ذلك، لا أراه ضرورة، بل لا فائدة له أصلاً ويساعد على تأجيج مشاعر التمييز الدينى، منذ أن يكون الإنسان طفلاً. وأرى أنه يجب أن يصدر تشريع يمنع تداول تلك المنتجات فى مصر، لأننا نريد القضاء على الاحتقان الدينى ونريد التعايش جميعنا معاً بعيداً عن العنصرية التى تُبنى من الصغر وتُشكل عقولا ترفض الآخر، وهى أمور لا يُمكن أن تستمر ونحن نريد أن نبنى جسوراً مع العالم بينما نحن غير متواجدين على خريطة "العقل" الدولية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق