27.9.09

قنابل التعصب الدينى بقلم الأستاذ يوسف سيدهم ( الدستور )

قنابل التعصب الديني يوسف سيدهمقنابل التعصب الديني لا تتوقف عن الانفجار في الساحة الوطنية، ووسط الدوي الذي تحدثه وما يتبعه من تصدع في البناء الوطني يقف الكثيرون متسائلين في حيرة وغضب: لماذا الآن؟...وما المصلحة في إثارة البلبلة واللغط بين الحين والآخر؟...وهل ذلك يخدم أهداف الوئام الوطني وتنوير العقول؟ تلك الأسئلة وغيرها تقف معلقة تبحث عن إجابات، بينما يسقط البسطاء وضعيفو الإيمان ضحايا فكر التعصب وهم معتقدون أن باتباع ذلك الفكر يخلصون لدينهم ويتممون أركانه. قنبلتان ألقيتا في شهر رمضان أحدثت كل منهما أضراراً بالغة :الأولي تخص الفتوي الصادرة عن دار الإفتاء، تحرم علي المسلم التبرع من ماله أو التوصية باستخدام جزء من تركته لبناء كنيسة، والمشكلة ليست محصورة في هذا التوجيه المباشر، ولكن فيما قرنته الفتوي ضمن تحذيرها من وضع الكنائس ضمن باقة من الموبقات والمحظورات المنهي عن التبرع لها، الأمر الذي أفرز استياء واسع النطاق، بدأ بالاحتجاج المسيحي وامتد حتي وصل إلي فضيلة الشيخ الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر الذي عبر بوضوح عن رفضه لذلك التوجيه المؤسف، وأكد علي عدم وجود أية محاذير تحول دون المسلم والتبرع لبناء كنيسة، كما أكد علي عدم شرعية الفتوي التي خلت من اعتماد المفتي فجاءت غير رسمية. تلك كانت نهاية مريحة، لكن بعد أن وقع ضرر بالغ بالساحة الوطنية ما بين مسيحيين مجروحين ومسلمين مندهشين، والجميع يتساءلون: لماذا تكدير صفو المجتمع بين الحين والآخر؟ ولماذا العبث بالسلام الاجتماعي وخلق مشاكل نحن في غني عنها؟ أوليس الأجدي والأنفع التغني بالحالات الكثيرة التي بادر فيها المسلمون بالمساهمة في بناء كنيسة والمسيحيون في بناء مسجد، وكانت نتائج ذلك الانصهار الوطني عظيمة في تآلف القلوب وترسيخ المحبة وتوجيه الجميع وراء ما يخدم الوطن ويرفع من شأنه؟...وفي هذا الصدد يسعدني أن أسجل ما أرسله لي مواطن مصري من القوصية بأسيوط هو الشيخ علي حيروش الفلكي الذي يداوم علي الكتابة في كل ما يخص الوحدة الوطنية مستنكراً من يعبثون بها، وهو يقول في شأن فتوي تحريم تبرع المسلم لبناء كنيسة الآتي:«...هذه فتوي باطلة لا تؤدي إلا إلي إشعال نار الفتنة الطائفية وتمزيق نسيج الوحدة بين أبناء الشعب الواحد، وياليت أولي الأمر يكفون عن اللعب بالمعتقدات، فالكنيسة لها نفس دور المسجد في التربية والتوجيه بجانب دورها كدار للصلاة والعبادة، فكيف يتم مساواتها في الفتوي بالمحرمات ودور المعصية واللهو؟ ألم تبن كثير من مساجدنا بتبرعات الإخوة المسيحيين، فهل الصلاة بها حرام ؟ أما القنبلة الثانية التي ألقيت في وجوهنا جميعاً فكانت في أسوان، حيث قامت قوات الأمن بإلقاء القبض علي بعض المواطنين(551 مواطناً) بتهمة الإفطار في رمضان!!وذلك مسلك في غاية الخطورة، يعد بمثابة تردِّ كارثي من جانب من فعل ذلك، يستدعي إلي الذاكرة مشهد«كتائب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي نسمع عنها في دول أخري لكن أبداً لم تكن مصر بحضارتها وسماحتها مسرحاً لها في يوم من الأيام...والحقيقة أنني حتي كتابة هذه السطور لم أعرف ديانة من قبضت عليهم قوات الأمن، ولا يعنيني إطلاقاً معرفة ذلك، لأنه لن يغير في الأمر شيئاً، فالتجاوز المشين في أداء الواجب ومراقبة تنفيذ القانون من جانب قوات الأمن يكمن في أنها نصبت من نفسها مراقبة للإيمان، مفتشة علي استيفاء أركانه، فاحصة لضمائر الناس وقلوبهم، وذلك كله ليس من الأمور المناط بها القيام عليه، علاوة علي أن الدستور المصري والقانون المصري لا ينصان علي أن من يفطر في رمضان يكون خارقاً للقانون مستوجباً للمساءلة مستحقاً للعقاب. إن ما حدث في أسوان غير مسبوق علي أرض مصر، فمن الجائز أن يختلف مسلم مع مسلم علي ما يخص الصيام، ومن الجائز أن يتأذي مسلم من إفطار زميله المسلم في رمضان، ووارد أيضاً أن يعاتب مسلم زميله المسيحي إذا لم يراع مشاعره وأكل أو شرب أمامه في رمضان...كل ذلك جائز أن يحدث بين مواطنين عاديين تبعاً لمستوي تدينهم ودرجة ثقافتهم ومدي استيعابهم لحقائق دينهم، ويكون من الجائز أيضا توعيتهم بمغزي الصيام وأنه في الأساس ليس صياماً عن الأكل والشرب فقط، إنما هو حالة سمو روحي فوق الصغائر والضعف الإنساني..لكن ما لا يمكن تصوره أو قبوله أن تبادر سلطة تنفيذية بتجاوز دورها وتختلق سلطات ليست لها وتنصب من نفسها رقيبة علي ضمائر الناس وتنطلق في الحجر علي حرياتهم وتصنيفهم ما بين طيب وقبيح، والتنكيل بمن تعتبره قبيحاً. هناك من وصف هذا المسلك من جانب قوات الأمن في أسوان بأنه إيذان بقيام «إمارة أسوان الإسلامية» لكنني أقول عنه «فرع جماعة طالبان المصرية»، وأخيراً أتعرفون أين تكمن الكارثة الحقيقية فيما حدث؟إنها في الصمت الرسمي من جانب قيادات الأمن بدءاً من أسوان مركز الواقعة ووصولاً إلي القاهرة حيث القيادات العليا الدينية والسياسية...فالمارقون والمرضي بالتعصب الديني يمكن أن يطلوا علينا في أي وقت وفي أي مكان، لكن تمهل أو تأخر أو غياب رد الفعل الرسمي إزاء ما يرتكبونه من حماقات من شأنه أن يضاعف من حجم الكارثة، لأنه يرسل رسالة مغلوطة إلي الشارع المصري أن ما حدث ليس خطأ وإن كان مكروهاً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق