تناول المرأة فى الأدبيات والأحاديث الدينية لشيوخ التشدد،
أصبحت "مغتربة" بشدة عن المجتمع المصرى المعتدل فى خطابه الدينى منذ الأزل.
فقد أصبح النظر إلى المرأة (أى امرأة، وليس فقط غير المُحجبة) بوصفها أداة وليس إنسانة، تحيا وتفكر وتُبدع وتُربى أجيالاً للمستقبل، بوصفها أُماً فى المقام الأول. فأغلب هؤلاء المُتشددين، ينظرون إلى المرأة، بوصفها "وعاءً جنسياً" أو بالأصح "مفرخة"، مُنجبة "للعزوة". كيفية التكوين الذهنى لتلك المرأة، ليس بالمهم لديهم. المهم أن تكون "عابدة لله وحافظة لفروجها وفقط"، ولو كان هذا فى الظاهر فقط. أما عن العقل، فهذا أمر ثانوى، لا يهم بالنسبة لهؤلاء، لأنهم يرون أن المرأة لا تفكر بالسليقة. وبالطبع، سيأتى من يقول، إن كلامى هذا هُراء، وأننى أتكلم من وحى موقف ما من هؤلاء المتشددين. ولكنى أملك الدليل، المُسجل بالصوت والصورة، بالإضافة إلى أدبيات، لا يُمكن بحال أو بآخر، إنكارها! فمثلاً، يقول الشيخ أبو إسحاق الحوينى، واصفاً النساء بصفة عامة فى حديثه عن سيدات "منتقبات" يقدمن برامج دينية فى قنوات الفتاوى المنتشرة الآن: ".. وماذا عند هذه المرأة من العلم حتى تقدمه؟ العلمُ إنما هو للرجال.. العلم بتاع الرجالة بس! أى امرأة.. مع احترامى يعنى، علشان مافيش واحدة تفكر إنى أنا بفطس فى الكل.. أى امرأة مهما صعدت، هى مقلدة وعامية.. مافيش امرأة دارسة العلم على أصوله، تعرف تفرع صح وتعرف تستنبط صح وتعرف تخرج صح وتعرف الأحاديث صحيح ولا ضعيف!" وفى إطار حضه على النقاب، وإخفاء وجه المرأة، يقول شيخ "فضائى" آخر، محمد حسين يعقوب، ".. واللى بتمنع بنتها من النقاب علشان تتزوج.. عايزاها تتزوج مين؟ تتزوج واحد ما عندوش دين؟ النقاب عصمة.. مش حيخليها تمشى غلط! تقولى، لأ، ده بالعكس، بيتداروا فى النقاب ويعملوا غلط! بلاش كذب وترويج إشاعات! المنتقبات فُضليات!" ولن أعترض على كلام السيد محمد حسين يعقوب، ولكن أسأل القارئ العزيز أن يطلع بنفسه على ما تقوم به بعض المنقبات (ولم يثبت أبداً أن النقاب فرض)، من موبقات نُشرت فى صفحات الحوادث المختلفة فى الصحف خلال السنوات الماضية ولتسألوا سائقى التاكسيات فى مصر، حول بعض الفتيات المنقبات اللاتى يخلعن النقاب فى السيارة الأجرة، ليتبدل شكلهن، بعد تركهم المنطقة، محل سكنهن!!وبينما نحن فى القرن الحادى والعشرين، فإن هناك شيوخاً يرون، أن الشرع لم يحدد سن زواج الأنثى، حيث إن منهم من لا يُمانع أن تتزوج الطفلة، بنت التسع سنين، لو أنها "صالحة للرجال". أى أن رأيها لا يهم. كما أن نضوج عقلها، ووفقاً لهذا الكلام، ليس بالأمر الأولى فى مسألة زواجها، فقد قال أحد الشيوخ الأزهريين على قناة دريم، ما يلى: ".. فى بنت عندها 15 سنة ومقرودة أد كدهوه (وأشار بيده مُدللاً على صغر حجمها) وما تنفعش لحاجة وما تعرفش حاجة! فيه واحدة عندها 10 سنين وتلاقيها بسم الله ما شاء الله أد الحيطة.. مثلاً! هيا العملية بتتوقف عليها.. الشرع لم يحدد سن.. تسع سنين وتتجوز.. أنا قلت إذا كانت تطيق الفحل!!"وقد أنزل القرآن آية فى مسألة الزواج من ما "ملكت أيمانكم" من النساء المقصود بهن الرق. وقد عرضت قناة "اقرأ" الدينية، برنامجاً فى هذا الشأن، حيث جلست المذيعة بين عالمين من الأزهر الشريف، وسألتهما حول ما يُمكنها كمسلمة أن تقوله فى مسألة تلك الآية، والردود كانت عجيبة حقاً، من عالمين أزهريين، المُفترض أننا نستقى منهما العلم. فلقد أخذ أحدهما يدافع عن القرآن وكأن السيدة تهاجم الكتاب الكريم، بينما كانت مجرد تسأل فى برنامج مُذاع، حول كيفية تفسير ذلك، وقد اختفى الرق لدينا! ولما استمر الرجل فى تلاوة الآية (وأكرر: على قناة اقرأ الدينية!) دون رد، قالت المذيعة: "يعنى باختصار ما عندكمش رد!" قال الرجل: "لأ.. عندنا دنيا! إزاى ما عندناش رد؟ إزاى؟" فقالت المذيعة مُكملة كلامها مستنكرة رده الغامض: "هو الدين بتاعنا كده .. واللى مش عاجبه يتفلق!!.. طيب إذا واحد من الشارع عادى بيسأل، ما نردش عليه؟ أنا عايزة أعرف.. أنا"، فرد الشيخ الآخر قائلاً، وكانت تناديه باسم الشيخ جمال: "عايزة تعرفى إيه؟ ما بنقولك أهو.. القرآن موجود!!" فقالت المذيعة للشيخ جمال: "عايزة أقولك حاجة بصراحة.. أنا بمنتهى الصراحة، عايزة أقولك إن 90% من أبناء المسلمين، وأنا منهم، ما نعرفش العلة فيما "ملكت أيمانكم"، ومش قادرين نهضمها بصراحة!" فرد عليها الشيخ جمال رد غريب للغاية: "مش ضرورى تعرفى!" فقالت له: "يعنى إيه مش ضرورى؟ معقولة ده رد يا شيخ جمال؟ أسألك سؤال وتقولى مش ضرورى تعرفى؟" فيقول الشيخ جمال: "آه طبعاً! على المسلمين كلهم! هو فيه حكيم فى الدنيا يتبوأ أنه يحلل حكمة ربنا؟" فتقول المذيعة:"دى مش حكمة إلهية، دى حرية بشرية" فيقول لها الشيخ: "كل واحد حر فى نفسه!" وهنا يظهر تماماً قصور الشيوخ فى إفهام الناس دينهم، وهم من هم ويعملون فى الأزهر، وليس فى زاوية أو كُتاب. وقد "عُطلت" آيات عدة، فى زمن الخليفة عمر بن الخطاب ومن بعده، لانتفاء وجود ما نص عليه القرآن فى وقتها، وكان فى مقدورهم أن يقولوا، أنه طالما لا يوجد رق اليوم فى بلادنا، فإن تلك الآية كانت لهذا التوقيت أو أنها مُعطلة أو أن يبينوا ما أُغفل على الناس. ولكن الشيخ فى النهاية قال، إن المسلمين كلهم، مش مهم يعرفوا! وهذا عجب العُجاب! فإن كان ليس من الضرورى، أن نعرف أمر ديننا فى مسألة كتلك، ونمضى هكذا بدون فهم لما نفعل، فلما يحضنا الله على التعقل والتفكر فى القرآن العظيم؟ إنها لإجابة غريبة، فى أمر استعصى على فهم 90% من المسلمين كما تقول المذيعة حقاً!وليس فقط هذا النص يستعصى على فهم المسلمين ولكن هناك أشياء كثيرة تستعصى على فهمهم فيما يتعلق بتناول العاملين فى حقل الدين، فيما يتعلق بمسألة النساء، والتعاطى معها من قبل الإسلام. وليس السؤال كُفراً، وإنما هو استزادة فى الفهم، حتى نفهم ديننا. وقد استوقفنى دُعاء غريب، يُقال على منابر المساجد، حيث يقول الشيخ يوم الجمعة، داعياً على اليهود والكفار، "اللهم شتت جمعهم ورمل نساءهم ويتِّم أولادهم واجعل نساءهم غنيمة لنا". فبالنظر إلى هذا الدعاء، نجد تواكلاً على الله، لا مثيل له! فالله سيحارب لنا ويشتت شمل الأعداء، ويرمل النساء وييتم الأولاد وفى النهاية وبينما نجلس فى بيوتنا أو ننام، سيكافئنا الله عز وجل، "لا أعرف على ماذا، طالما أن الله قام بكل شىء، بينما نحن خاملون"، بأن يعطينا نساءهم غنيمة لنا، وبالطبع، واضح جداً، الإيحاء الجنسى فى هذا الدعاء، ودون لبس!أى أن الفكرة هنا، فى مجملها فكرة جنسية بها انتقام وليس نشراً للدين كما كانت الحروب وقت الرسول صلى الله عليه وسلم. فليست الدعوة بالهداية مثلاً، كما كانت الدعوات قديماً، ولكن كل الدعوة شر! وحلم بنساء العدو! وهى دعوة واضح فيها النظر إلى المرأة كوعاء جنسى وليست كأم ولا أخت ولا زوجة صالحة! إنها تنظر إلى المرأة وفقاً لثقافة الاستمتاع فقط، وليس وفقاً لمعايير دينية ينص عليها القرآن! فهنا اختصار للدين كله فى أمر مشين ونظرة للمرأة على أنها أداة تفريغ ليس إلا!والغريب، ورغم أن النساء هن أكثر من باستطاعتهن تدبير شئون المنزل اليوم، نظراً لانشغال الزوج فى الحال الاقتصادية التى نحياها، أن هناك من لا يزال ينظر إلى تفسير ابن كثير والطبرى، فى الآية، "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"، بأن النساء والأطفال هم المقصودون بالسفهاء - على أنه أمر صحيح! وأنا لا أقصد التعدى على أى من العالمين، لأنى ومن قراءتى لهما، أشهد بعلمهم، ليس فقط فى تفسيريهما، ولكن فى مجمل كتاباتهما. ولكن تفسير الآية اليوم بهذا المنطق لا يجوز، بل ولا يتماشى مع منطق سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كانت السيدة خديجة بنت خويلد تاجرة ومن أغنى أغنياء قريش، وهى من استأجرت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثل السيدة خديجة الكثيرات من النساء، واليوم هناك سيدات ممكن يعملن مديرات لشركات وممن تبوأن أعمالاً أكبر بكثير، وبالتالى، لا يُمكن النظر إليهما هكذا!إن الاستماع إلى شيوخ الفضائيات وشيوخ يُجيبون على الناس فيما يخص أسئلة بشأن دينهم، بإجابات تتمثل فى مقولة "مش ضرورى تعرفى"، يسيئون للدين بشدة، أكثر بكثير مما يسيئ له أعداء المسلمين! لأن من يسمع هذا الكلام، وهو شاب يافع، قد يكون له نزعات غير سوية، لن يسمع بعد ذلك كلام أمه، لأنها امرأة "بلا علم، لأن العلم للرجال"! بل إنه سيسفه النساء جميعاً، وينظر إلى أى رجل لا ينقب زوجته، على أنه فاسق! وسيزوج ابنته قبل أن تبلع، لأنها "أد الحيطة"! كيف تستقيم الحياة ونحن نُحقر نصف المجتمع؟ كيف تستقيم الحياة والتى تشرف على تربية طفل، طفلة؟؟ كيف نقيم أمة مصرية قوية، ونحن نُقصى النساء من الحياة؟ أوقفوا هؤلاء الشيوخ، لأنهم يجلبون لنا سُخرية العالم من الدين، وليس منهم، لأن الناس تظُن، أن هذا هو الدين وليس هؤلاء! وقبل أن نهتم بمن ينتقدون ديننا، من خارجنا، علينا إعادة تفسير الخطاب الدينى الخاص بالتعامل مع المرأة وتشريفها، بشكل يُعيد لنا هيبتنا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق