جاءت هذا المقال تعليقاً على مقال جُبن النصارى الأنسان الجبان في تقديري لا يتكلم مطلقا ، أما العاقل فيعرف متى يتكلم ومتى يصمت ، كيف يتكلم وبماذا ينطق ، كما أنه ليس كل صامت جبان ولا كل متكلم عاقل . فالحكم يكون نتيجة موقف أتخذه إنسان ثم تحليل الموقف من حيث حكمة التصرف أو غباوته . هذا بالأضافة إلى أنني أرفض رفضا كاملا تعميم صفة على شعب معين أو عائلة بأكملها ، ولنا في التاريخ نماذج ونماذج ، وقد صدق من قال [ من وعى التاريخ في صدره أضاف إلى عمره أعمارا ] . لذلك وجدت في التاريخ أعظم رد على هذا الأفتراء الغير دقيق ( جبناء ) وسوف أنقل لكم بعضا من هذه المواقف التي تُثبت أن للكلام وقت وللسكوت وقت آخر ، وكما قال الكتاب المقدس : [ لكل شئ تحت السماء وقت ] :
+ الذي يقرأ تاريخ ثورة 1919 يجد العقلاء كثيرين ، حين كان يجب الكلام كانوا كالأسود خارج العرين :
مكرم عبيد ( المصري القبطي )
وقف وقفته الشجاعة ضد الإنجليز وقال مخاطبا شباب شبرا : بقيت لي كلمة أخيرة عن تلك الدسيسة المنكرة التي يقوم بها المستعمرون للتفريق بين المسلمين والأقباط .. يقولون : أقباط ومسلمون ، كلا ، بل قولوا لهم : هم مصريون ومصريون .. أباء وأمهات وبنون ..أو قولوا لهم : إخوة ، لأنهم بدين مصر يؤمنون .. أو أشقاء , لأن أمهم مصر وأباهم سعد زغلول .. أيقال هذا في مصر ، وعن مصر ، التي علمت العالم ـ والشرق خاصة ـ معنى الأتحاد المقدس .... قولوا لهم : عبثا تحاولون فصم وحدتنا ، فقد جمعتنا دماء آبائنا التي تجري في عروقنا ، ودماء أبنائنا التي جرت في شوارعنا ... عبثا يفرقون بين آمالنا ، فقد إتحدت آلامنا .. عبثا .. كله عبث ، فقد إكتشفنا سر الحياة : الإخلاص . وما إتحادنا إلا إتحاد قلوبنا ونفوسنا ومشاعرنا .. ولن يفصلها فاصل بعد أن جمعها الواحد القهار .. * عندما رأت السلطة البريطانية إتصاله الوثيق بسعد زغلول نقلته إلى وزارة الحقانية ( العدل الآن ) فاستقال ليتفرغ للجهاد ضد الأحتلال .. نذر نفسه ووقته وجهده كله للدفاع عن المقبوض عليهم في قضايا سياسية ، من محكمة إلى أخرى ويعود آخر اليوم إلى بيت الأمة فيظل فيه إلى ما بعد منتصف الليل .. في أحد الليالي خرج ليعود إلى بيته ، وكان الوقت متأخرا وكان جنود الإنجليز يملأون الشوارع .. فنهض مصطفى النحاس لمرافقته فقال سعد زغلول سيقتلونكما حتما فقال النحاس : أنا ومكرم شئ واحد نعيش معا ونموت معا ...
سينوت حنا دخل حزب الوفد ( أيام سعد زغلول ) وكان بجانب سعد زغلول صامدا ثابتا . تم نفيه وإضطهاده .. وبعد سعد زغلول وقف سينوت إلى آخر حياته إلى جانب خليفته مصطفى النحاس ، حتى لقد فداه بنفسه مرة ، إذ تلقى بصدره حربة وجهها أحد جنود البوليس إلى ظهر النحاس ، في أثناء وزارة إسماعيل صدقي ... لم ينظر إلى مقابل ولا إلى جزاء .. لقد أنفق من ماله على الحركة الوطنية ومع ذلك كلما جاءت وزارة وفدية تراجع إلى الوراء وترك غيره يحظى بالمنصب الكبير .. وكان لا يهتم بالظهور قط ، كان يعمل في صمت دون أن يستهويه لقب أو منصب .. كان سعد زغلول يحبه جدا ، فكان لا يمر يوم دون أن يراه ، ولا يقطع برأي دون مشورته ، ثقة منه في صدقه وإخلاصه .. لم يكن هناك عملا وطنيا في الصراع مع الإحتلال إلا وسينوت حنا في طليعة المشتركين فيه .. وعندما ذهب سعد إلى منفاه في سيشل في ديسمبر 1920 كان معه ثلاثة من المسلمين : فتح الله بركات وأخوه عاطف ومصطفى النحاس ، وإثنان من الأقباط : سينوت حنا ومكرم عبيد .. سعد زغلول الذي لم يرزقه الله ولدا من صلبه ، رزقه ولدين كانا أحب إليه من أبناء الصلب هما سينوت حنا ثم مكرم عبيد ...
وعندما جاء وقت الكلام والخروج عن الصمت ، كان حديث سينوت حنا قويا في سلسلة مقالاته بعنوان [ الوطنية ديننا والإستقلال حياتنا ] ولما كان هناك أعتراض جماعي على وزارة يوسف وهبة ، كتب سينوت حنا موجها كلامه إلى يوسف وهبة : هلا فطنت إلى أنك إنما دخلت الوزارة من بادئ الأمر لقبطيتك فلا يحل لك اليوم أن تتولى الأحكام على قاعدة الحماية والأقباط الذين تنتسب إليهم يسابقون مواطنيهم في العمل والتضحية في سبيل الإستقلال التام . هلا فطنت إلى ما قصدوه بتعيينك للرئاسة ؟ بعد أن ثبت للملأ من هذا التضامن المتين أن الأمة المصرية أجمعت على طلب الأستقلال التام إجماعا أدهش العالمين . هلا فطنت إلى دقة المركز الذي ستضع نفسك فيه إذا ما فاضت في شئون البلاد وأنت غير مؤيد لا من الأمة ولا من الأقباط بنوع خاص . ويُذكر أنه قام شاب قبطي يدعى عريان يوسف سعد بإلقاء قنبلتين على سيارة رئيس الوزراء يوسف وهبة يوم 15 - 12 - 1919 ولكن لم يُصب بشئ وتم القبض على الشاب القبطي وحوكم وصدر الحكم عليه بالأشغال الشاقة عشر سنوات ، ويومها قالت السيدة صفية زغلول إنني أريد أن أُقبل هذا الشاب ... حاولوا أن تخطفوه ، ولكن فشلت الخطة
القمص مرقس سرجيوس كان مشهودا له بخطبه الرنانة ، وكم دُهش الناس عندما رأوا القمص سرجيوس يعتلي منبر الأزهر ويلقي بخطبته المدوية والتي قال فيها : [ إنه في سبيل مصر ينسى أنه قبطي ، لأن مصر لا تعرف قبطيا ولا مسلما وإنما هي تعرف أن الكل أبناؤها ، وتطلب منهم جميعا أن يقفوا دونها صفا واحدا ، ليحموا من العدو الإنجليزي المحتل لأراضيها ] . وفي خطبة أخرى قال : [ إهتفوا معي ليحيا الإنجليز فهم بظلمهم وإستبدادهم ووحشيتهم وبربريتهم ، قد وحدوا صفوفنا جميعا . لا فرق بين مسيحيين ومسلمين ، لكي نطالب معا بالحرية والإستقلال ] . ويُذكر أنه ظل يخطب 59 يوما متواصلا في الأزهر ومسجد أحمد بن طولون وغيره من المساجد وأيضا في الكنائس مناديا بالوحدة الوطنية ومطالبا بالإستقلال .
البابا ديمتريوس الثاني ٌقام السلطان العثماني عبد العزيز بزيارة مصر سنة 1863 تلبية لدعوة الخديوي إسماعيل له ..وفي حفل الإستقبال كان البابا ديمتريوس الثاني من ضمن الشخصيات الموجودة مع العلماء والوزراء وكبار الشخصيات .. وكان التقليد السلطاني يقضي أن من يُدعى للمثول بين يدي السلطان ، يُقَبل طرف ثوبه .. ولما جاء دور قداسة البابا ، قام بتقبيل صدر السلطان من ناحية القلب ، فأندهش السلطان والحاضرون جميعا . وعندما سأله السلطان عن هذا التصرف ، قال له البطريرك [ إنما أنا أُقبل يد الله ملك الملوك وسلطان السلاطين ، لأنه في الكتاب المقدس هناك آية تقول أن قلب الملك في يد الله ] فإنشرح السلطان وأبتهج لهذا المعنى الطيب . وإغتبط الخديوي إسماعيل ومنح البابا أراضي من أملاك الحكومة للصرف منها .
اطباء اقباط يستنكرون الفظائع التى قام بها الجنود الإنجيليز * كتب أطباء القصر العيني والطب الشرعي إحتجاجا يستنكرون فيه الفظائع التي قام بها الجنود الإنجليز وقد وقع عليها خمسة وعشرون طبيبا .. وكان من بينهم الأطباء الأقباط وهم : د. إبراهيم المنياوي - جورجي صبحي - جرس جرجس - نجيب مقار - نجيب محفوظ - عزيز إسكندر .
سيدات قبطيات فى قلب اول مظاهره نسائية فى تاريخ مصر * وكانت أول مظاهرة لسيدات مصر تشمل سيدات قبطيات : حرم حنا بك مسيحة - حرم عزيز مشرقي - حرم ويصا واصف - الآنسة جوليت صليب - الآنسة ماري ميرهم - حرم د . نجيب إسكندر - حرم إسكندر بك مسيحة - مدام رافائيل بغداي - حرم صليب بك منقريوس - حرم ميخائيل لبيب .
قبطيات يشتركن فى صنع علم الثورة ( الهلال والصليب )
كان علم ثورة 1919 المؤلف من الهلال والصليب رمزا للوحدة والتآخي والإتحاد بين الأقباط والمسلمين . ويُذكر أن صفية زغلول هي اول من فكر في تصميم علم للثورة يُعبر عن روح الشعب الواحد . وقد صنعت هذا العلم بيدها ، وإشتركت في صنعه معها عدد من السيدات بينهن زوجتا سينوت حنا ومرقس حنا . ، وأصبح بعد ذلك العلم الوحيد الذي ترفعه كل المظاهرات في الثورة .
تلك كانت بعض الأمثلة لشخصيات قبطية عرفوا متى يكون الكلام حكيما ومتى يكون الصمت أكثر حكمة من الكلام .. عقلاء وليسوا جبناء .
فلنطلب من الله أن يعطينا الحكمة لنعرف متى نتكلم ومتى نصمت ، لنعرف متى يكون كلامنا نافعا لبلدنا مصر ، ومتى يكون صمتنا حاميا لها من نيران تنتظر من يشعلها لتاكل الأخضر واليابس
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق