23.3.09

(( لا لفتنه محمد )) نعم لاحترام الآخر ومعتقده بقلم القس نصيف هارون

لقد شاهدت هذا الفيلم "فتنة محمد" الذي كتبت عنه بعض الصحف المصرية والذي روجت له كثير من المواقع الإلكترونية والحقوقية والتي تنادي بحقوق الأقباط داخل مصر؟ ولست أعرف ما هي علاقة الفيلم بحقوق الأقباط داخل مصر؟ وهل يعيد هذا الفيلم الذي يسيء للإسلام وتعاليمه حقوق الأقباط؟ وخاصة أن الفيلم لا يحتوي سيناريو أو قصة، فهو مجرد أجزاء من مقابلات تليفزيونية ولقطات أرشيفية ومشاهد عنف – بالطبع تلصق بالإسلام - وآيات قرآنية كتعليق على هذه الأجزاء. يربط صناع الفيلم بين هذه الأجزاء ليثبتوا فكرة واحدة في ذهنهم هي من وجهة نظري تشويه للآخر وهذا مرفوض شكلاً وموضوعاً. لا يستطيع أحد أن ينكر أن الأقباط في مصر مهضوم حقهم في كثير من النواحي وعلى رأسها حرية إقامة دور العبادة أو بناء الكنائس، وبحكم عملي وقربي من صناع القرار في هذا الشأن أؤكد أن الأقباط لا يتمتعون بحرية كاملة في بناء الكنائس ولا حتى في حرية العبادة. ولكن لا توجد أي علاقة بين هذه الأمور والفيلم المنشور على الإنترنت والذي يحمل عنوان "فتنة محمد" والذي ألفه وأخرجه شخص مجهول الهوية ويحمل اسماً مستعار هو "الأب يوتا". والكنيسة المصرية أعلنت رفضها التام لهذا العمل الذي يسىء للمسلم في دينه ومعتقداته. فالإيمان المسيحي يحترم الآخر ويحبه بغض النظر عن الدين أو العقيدة أو الجنس. وهنا أتساءل ما هي النتائج التي قد تعود على الأقباط من فيلم "فتنة محمد" هل سيسمح الأمن أو المسلمين ببناء المزيد من الكنائس؟ أو هل ستختفي مظاهر الفتنة الطائفية في مصر - التي تظهر بين الحين والآخر - وتعود المواطنة للممارسة الفعلية بدلاً من الأحاديث والشعارات فقط؟ لا أظن ذلك. وهذا هو ما دفعني لأن أكتب رأيي الشخصي الذي يرفض هذا الفيلم شكلاً وموضوعاً. فالمسيحية تعلمنا أن لا نزدري بالآخر، بل يجب محبة الجميع واحترام قيم الآخرين. إننا لسنا مطالبين بأن نقابل الشر بالشر بل نغلب الشر بالخير، وهذا هو جوهر رسالة المسيح. والسيد المسيح قدم نفسه نموذجاً للتعالم مع الآخر المختلف عنه في الفكر. نادي المسيح بمحبة الجميع، فهو لم يعلمنا أبداً بأن نعامل الناس بالمثل؟ نعم هناك ازدراء واضح لا نستطيع أن ننكره يتعرض له المسيحي في مصر والعقائد المسيحية الأساسية بصفة خاصة في الكتب والصحف وعلى الأرصفة وفي الميادين العامة، ولا نحتاج إلي برهان لإثبات ذلك، ناهيك عن التليفزيون المصري والتحيز الإعلامي الواضح! وأعلم أننا في مصر لم نأخذ مساحة كاملة من الحرية بعد للرد على هذه الإهانات التي نتعرض لها يومياً في الصحف أو غيرها، ولكن نشكر الله كثيراً لأجل الإنترنت والفضائيات التي كشفت المستور وأعطت للجميع الحق في التكلم دون خوف، فإنني أؤمن أن الحق لا يستطيع أحد أن يمنعه من الوصول إلي الناس، وأن العدل أكثر قوة من الظلم والعنف مهما كان. ولكن إذا قلنا "عيناً بعين وسناً بسن" - كما ينادي هؤلاء الذين لا يعرفون التعاليم المسيحية وإن كانوا معذورين - هل نحن نحفظ ونطيع تعاليم السيد المسيح أم أننا نخالفها؟ بالطبع نخالفها! فتعاليم السيد المسيح له كل المجد تدعو إلي الحب والسلام والحياة الأفضل، فهو جاء برسالة الحياة الأفضل التي لن تتحقق بالعنف والازدراء بالآخر أو التعصب الأعمى. والمسيح بالطبع لم يدعو إلي السلبية بل نادي بمواجهة التعاليم الخاطئة وتفنيدها من خلال تقديم التعليم الصحيح بدل الهجوم على الآخر ومعتقداته أو الصمت وترك الإنسان الباحث عن الحقيقة يتخبط في بحر من الأفكار المشوشة. فكان منهج الرب يسوع المسيح مع علماء الشريعة ورؤساء اليهود في وقته هو "مواجهة الفكر بالفكر" من خلال الحوار الناضج العاقل. تذكروا ماذا فعل عندما جاء إليه الكتبة والفريسيون بامرأة أمسكت في ذات الفعل وهي تزني وهم يقولون: "موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟ نجد أن المسيح لم يهاجم أو يرفض فكر موسى، لكنه قال قولته الشهيرة: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر" (يوحنا 8: 5 و 7). أو عندما جاء إليه صدوقيون ليجربوه – الذين لا يؤمنون بالقيامة - يسألون عن مصير امرأة تزوجت في الأرض بسبعة أزواج ومات جميع أزواجها وأخيراً هي أيضاً، ففي القيامة لمن تكون زوجة من السبعة؟ فأجاب يسوع على الفكر بالفكر كما نقرأ في قوله: "في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء" (متى 22: 23-33). فعلينا أن نفند التعاليم الخاطئة ونظهر الصحيحة بدلاً من أن نشوه الآخر أو نحتقر معتقداته. وكما تقول الحكمة: "لنبني بيوتاً للناس وندعوهم أن يعيشوا فيها بدلاً من أن نهدم بيوتهم التي يختبئون فيها من ضغط الحياة وظروفها القاسية حتى لو كانت بيوتاً من قش". والجميع يعلم أن الدين له مكانة هامة عندنا نحن الشرقيين ولن يقبل أحد أن يزدري آخر بمعتقداته أو يساوم عليها مهما كانت الضغوط أو الضيقات. لذلك أرفض الطريقة التي يلجأ إليها البعض من المخلصين أو البسطاء المنقادين في الدفاع عن القضية القبطية والتي نستطيع أن نطلق عليها عين بعين وسن بسن أو الهجوم خير وسيلة للدفاع، ولكن الحقيقة أن الهجوم قد يشوه الآخر قبل أن يصحح الأفكار. وأوجه كلمة لأخي المسلم المتضرر من الفيلم ولكل كاتب مخلص نقد هذا العمل ومضمونه، كم مرة انتقدت هجوم المسلم على المسيحيين أو كم مرة كتبت مقالا ضد افتراء على العقيدة المسيحية أو الإيمان المسيحي نشر على الملأ، أو ماذا فعلت أمام الأحاديث التليفزيونية التي تدخل كل أذن وتزدري بالمسيحية؟ لابد أن لا نكيل بمكيالين لأن المبادئ لا تتجزأ، وأن القيم لابد أن تسود، فقبل أن تكتب مدافعاً عن نفسك لماذا صمت طويلاً أمام كل الازدراء والافتراء والتكفير الذي يتعرض له كثير من الأقباط في مصر كل هذا الوقت؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق