14.9.08

مستقبل الاقباط هو مستقبل مصر بقلم د . م / محمد منير مجاهد

- تقديم أود أن أتقدم بالشكر إلى مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على دعوتي للمشاركة في هذه الندوة لصالون إبن رشد عن مستقبل الأقباط في ضوء الأحداث الطائفية المتوالية، وأظنه عنوان متشائم يمثل امتدادا لما جاء في ختام كلمة الأخ العزيز بهي الدين حسن في المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني الذي عقد يومي 11 و12 إبريل 2008 والتي جاء فيها "كنت أود أن تكون النقطة الأخيرة التأكيد على وجود التمييز الديني والتبشير بأن غدا سيكون أفضل من اليوم ... ولكن للأسف الشديد لا توجد حقائق أو وقائع صلبة تجعل أي باحث جاد يستنتج أن غدا سيكون أفضل من اليوم على الأقل في هذا الموضوع، لأن المنافس الرئيسي للنظام القائم ولحزبه هو الأخوان المسلمين، ولأن التنافس كله يقوم على مغازله العواطف الدينية لبسطاء الناس من الأغلبية المسلمة، وفى هذا السياق فإن النظام القائم أكثر حرصا من الإخوان المسلمين على ألا يقوم بأي إجراء يمكن أن يصوره الطرف الآخر باعتباره تخلي عن أو تقليل من شأن مصالح الأغلبية المسلمة". واسمحوا لي في البداية أن أدلف مباشرة إلى إجابتي على السؤال الخاص بمستقبل الأقباط قبل أن أمضي قدما في هذه المداخلة "مستقبل الأقباط هو نفسه مستقبل المسلمين ومستقبل مصر، ولو لم نتمكن لا قدر الله من هزيمة أنصار التمييز الديني فسوف تتمزق مصر وتنهار وينهار معها الشرق كله، ولكنني أرى هذا الاحتمال يبعد مع الوقت على النحو الذي سأحاول توضيحه في الوقت المتاح لي" 2- مظاهر التمييز الديني لعلي أبدأ باستعراض بعض ما كشف عنه المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني الذي انعقد رغم معارضة شرسة من قوى الرجعية والطائفية أنصار ودعاة التمييز الديني الذين حاولوا بكل الوسائل تشويه أهداف المؤتمر وصولا إلى منعه، وكان انعقاده في حد ذاته ضربة هائلة لهم وبادرة أمل للمستقبل. تركزت استخلاصات المؤتمر في التالي: 1- التمييز القانوني والدستوري: توافق الحاضرون على أن المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" هي الغطاء الدستوري للتفرقة بين المواطنين على أساس الدين، وتعتبر رسالة غير مباشرة بان هناك مواطنين يعتبروا بسبب دينهم مواطنين من الدرجة الأولى ويتمتعوا بحرية بناء معابدهم بدون الرجوع لأي جهة وبدون طلب أي ترخيص، بينما أي فئة أخرى تحتاج إجراءات من نوع أخر، كما تزايد استناد المحكمة الإدارية العليا إلى هذه المادة في أحكامها مؤخرا لتقنين انتهاك حقوق غير المسلمين سواء فيما عرف إعلاميا بقضايا "العائدين للمسيحية" أو في قضايا "البهائيين" وغيرها. كما أن إنشاء وصيانة دور العبادة لا زال يحكمها – رغم بعض التحسن – الخط الهمايوني أو فرمان الإصلاح المتعلق بترميم وبناء دور العبادة للأقباط الذي أصدره السلطان عبد المجيد في فبراير 1856، ومنشور العزبي باشا الصادر في فبراير 1934 بشروط متعسفة لبناء الكنائس. وهي شروط لا يخضع بناء الجوامع لمثلها، و لا يوجد تشريع يجرم التمييز الديني مما يشجع على التمييز الديني كما حدث في حالة الدكتورة ميرا رؤوف التي كان حرمانها من التعيين في كلية طب المنيا حالة صارخة من حالات التمييز الديني. 2- التمييز في التعليم: نجح الفكر الرجعي المتعصب في السيطرة على العملية التعليمية في وزارة التربية والتعليم وهو أمر أصبح يعاني منه المسلمين وغير المسلمين على السواء، واتسعت ظاهرة تحول مقررات اللغة العربية إلى دروس إجبارية في العقيدة الإسلامية يدرسها المسلم وغير المسلم وتشمل: أن الإسلام مصدرا وحيدا للفضائل، و حشر النصوص الدينية بمناسبة وبدون مناسبة لتأكيد المرجعية الإسلامية، وإجبار الجميع، أيا كانت دياناتهم، على الالتزام بإعلاء وإتباع الأوامر والنواهي الإسلامية وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فرض عقائد إسلامية على الطلبة المسيحيين تختلف عن، أو تتعارض مع، المسيحية، وغرس أفكار وأسس الدولة الدينية والنتيجة أن الأجيال الجديدة من المسلمين قد أصبحت أكثر تعصبا وتطرفا من آبائهم، أما بالنسبة للأجيال الجديدة من المسيحيين فهم يرون أن تدريس دينٍ معين خارج المقررات والحصص الخاصة بذاك الدين هو في حد ذاته إجبارٌ كريه، ورسالة مباشرة لا لبس فيها بدونية معتقداتهم وهيمنة الإسلام، وهو ما ينمي مشاعر العزلة والانسحاب بل والكراهية، وقد أنتج هذا النظام التعليمي شبابا من المسلمين والمسيحيين أكثر اهتماما بمظاهر التدين دون النفاذ إلى جوهره، باحثين عند رجال الدين عن "الفتاوى" التي تريحهم من عناء التفكير وتحمل المسئولية، وقد توصل إلى ذات النتيجة المجلس القومي لحقوق الإنسان حيث "قام المجلس بدراسة كافة الكتب الدراسية ابتداء بمراحل التعليم الأولى وتبين له احتوائها على مواد تغرس بذور التمييز منذ الصغر في العديد من المجالات بشكل لا تحمد عقباه بالنسبة للأجيال القادمة"[1] 3- التمييز في التوظف: باستعراض بعض الأرقام المنشورة عن "الوظائف العامة" مثل وظائف النيابة الإدارية، ورؤساء جامعات، والقضاء، والمبعوثين، والشرطة، والإدارة المحلية، ورؤساء البعثات التمثيلية والقنصلية في الخارج، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات يتضح أن التمييز السلبي ضد المسيحيين يكاد يصبح سياسة ممنهجة تمارسها الدولة بكل أجهزتها وأفرعها، وعلي جميع المستويات، ويوضح جدول (1) عينات من المعلومات العامة المتاحة، ومن بينها تلك التي نشرتها الصحف في الفترة من يونيو إلى أكتوبر 2007[2] 4- التمييز في الإعلام: يتمتع المسلمون والمسلمون السنة فقط باستخدام أجهزة الإعلام الرسمية للدعوة للدين الإسلامي وعدم إتاحة الفرصة للدعوة أمام أي عقيدة أخري. ويحظون بمساحات كبيرة في الصحف، ومساحات زمنية هائلة في الإذاعة والتلفزيون. ويعني هذا أن الصحف القومية تفرق بين قرائها، والإذاعة تفرق بين مستمعيها والتلفزيون يفرق بين مشاهديه، حيث تقدم هذه الأجهزة مادة دينية غزيرة للمسلمين، وتتجاهل غيرهم، ومن حق هؤلاء أن يجدوا هذه المادة في الصحف والإذاعة التي يستمعون لها والتلفزيون الذي يشاهدونه، أسوة بأشقائهم في هذا الوطن لأن هذه الأجهزة يمولها المصريون على اختلاف معتقداتهم الدينية من الضرائب التي يدفعونها، إضافة لهذا لا يتاح حق الرد فيما يتعلق بمناقشة عقائد غير المسلمين، حيث يتمتع جميع الدعاة المسلمين في الإذاعة والتلفزيون والصحف بحق مناقشة الأديان الأخرى، وتفسيرها علي هواهم، وهو ما أدى إلى إشاعة مناخ هستيري يشجع على كراهية المسيحيين في مصر والهجوم على عقائد المسيحيين والتجريح المباشر وغير المباشر للمسيحيين واتهامهم بالكفر بالله، وهو ما يتم في كثير من الأحيان باستخدام الصحف ودور النشر والإذاعة والتليفزيون المملوكين للدولة، وتوزيع الخطب والدروس التي تزدري الدين المسيحي والمسيحيين في أنحاء البلاد دون أن تتدخل الدولة لتطبيق القانون. جدول (1) عينات من المعلومات العامة المتاحة، البيان التاريخ العدد الكلي عدد الأقباط حركة تنقلات وانتدابات هيئة النيابة الإدارية 14 يونيو 2007 86 1 (1.2%) تعيين رؤساء جامعات جدد (قناة السويس والمنوفية والمنصورة وحلوان وعين شمس)، 18 يونيو 2007 5 0 (0%) تعيين 25 مستشارا في درجه نائب رئيس محكمة النقض وعلي تعيين 38 مستشارا للعمل بالمحكمة. 21 يونيو 2007 63 1 (1.6%) ترقية أعضاء بهيئة النيابة الإدارية من مختلف الدرجات، وتعد أكبر حركه ترقيات في تاريخ الهيئة 18 يوليو 2007 1334 9-13 (0.7-1.0%) قوائم أعضاء هيئة التدريس والباحثين المبعوثين إلي الخارج 26 يوليو 2007 425 1 (0.2%) حركة ترقيات ضباط الشرطة 29 يوليو 2007 230 1-2 (0.4- 0.9%) إجراء تنقلات بين قيادات الإدارة المحلية ببعض المحافظات وقد اشتملت الحركة علي تعيين وتحريك وندب قيادات محلية 8 أغسطس 2007 150 0 (0%) أقرار الجزء الأول من الحركة القضائية المتضمن التعيينات بوظائف نواب رئيس محكمة النقض ومستشاريها والرؤساء والنواب والمستشارين بمحاكم الاستئناف وتنقلاتهم والتبادل بين القضاء والنيابة العامة في هذه الدرجات 10 أغسطس 2007 1447 24-46 (1.7- 3.2%) رؤساء البعثات التمثيلية والقنصلية في الخارج، طبقا لما هو منشور في الموقع الرسمي لوزارة الخارجية 164 3-4 (1.8-2.4%) أعضاء هيئة التدريس في جامعة أسيوط، عن طريق مراجعة "دليل هيئة التدريس" لكل كلية من الكليات، 2006/2007 819 45-51 (5.5-6.2%) عمداء كليات جامعة أسيوط، عن طريق مراجعة "دليل هيئة التدريس" لكل كلية من الكليات، 2006/2007 15 0 (0%) رؤساء الأقسام في كليات جامعة أسيوط، عن طريق مراجعة "دليل هيئة التدريس" لكل كلية من الكليات، 2006/2007 108 0 (0%) 3- بدايات التغيير يتفق المشتغلون بعلم الاجتماع أن الاختلاف في الدين أو العقيدة أو الإقليم أو المهنة أو لون البشرة ... الخ، لا يحتدم إلا في مجتمع يعيش أزمة شاملة، ومصر تعيش عدة أزمات لأسباب عديدة على رأسها هزيمة 1967 التي لا زلنا نعيش آثارها حتى الآن، مما أدى إلى ارتداد الناس إلى وشائجهم الأولى: العائلة، المنطقة، القبيلة، الطائفة، الملة، المذهب.. الخ.[3]، ولا أقصد بهذا أن مشاكل المسيحيين المصريين (وغيرهم من غير المسلمين) يجب أن تنتظر حتى تحل المشكلات المجتمعية أو حتى يتحقق مجتمع ما مثالي سواء كان هذا المثالي هو "الاشتراكي" أو "الديمقراطي" أو غيرهما، فالحقيقة أنه لتحقيق أي من هذه المجتمعات يجب النضال في عدد من القضايا الجزئية كقضية المرأة أو قضية التمييز الديني أو النضالات الاقتصادية للعمال والموظفين و... الخ. فهذه كلها روافد تغذي النهر كما أنها ترسم صورة المجتمع القادم في تفاصيله، وهذا هو ما نشاهده الآن فقد بدأ الشعب المصري في التململ والتحرك وشهد المجتمع المصري في السنوات الأخيرة تحركات جماهيرية من فئات وقطاعات عديدة كالعمال والفلاحين والطلاب والنساء ومؤخرا المسيحيين وغيرهم من غير المسلمين، وهو ما يشير إلى أمر بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل مصر ألا وهو شيوع وانتشار ثقافة الاحتجاج. لقد مضي ردح من الزمان على المصريين دون أن يواجهوا الظلم أو الاعتداء على حقوقهم إلا بالدعاء الصامت على الظالمين، أو بالنكتة والسخرية من ظالميهم، ثم بدأ هذا الشعب الصابر الصامت في التململ والاستيقاظ من ثباته ورويدا رويدا تزايد الإدراك بأن الرهان على التغيير الشامل من أجل وطن تسوده قيم العدالة والحرية لن يتحقق إلا بقوى اجتماعية منظمة، وبدأ المارد يحرك أطرافه، تحرك المهندسون الديمقراطيون لإنهاء الحراسة الحكومية على نقابتهم، وتحرك أطباء بلا حقوق لاكتساب حقوقهم، وتحرك القضاة الأحرار واعتصموا لأول مرة في تاريخهم ونظموا وقفة احتجاجية أمام دار القضاء العالي، ونفذ 55 ألفًا من موظفي الضرائب العقارية تهديدهم بتنظيم إضراب واعتصام مفتوح أمام مجلس الوزراء، وقاد عمال المحلة تحركات الطبقة العاملة المصرية للحصول على مطالبها الاقتصادية، واستبسل شعبنا في دمياط لإيقاف مصنع أجريوم الملوث للبيئة، في هذه المعارك الجماهيرية التي تحققت فيها انتصارات صغيره كان المصريون جنبا إلى جنب دون اعتبار للتقسيمات الدينية، وهو ما يساعد بلا شك في رأب الصدع الوطني وإعادة الاندماج الوطني من خلال الدفاع عن المصالح الفئوية المشتركة، إلا أن هذا لا يعني عدم التحرك بشكل مستقل لمواجهة التمييز الديني بكل أشكاله الناعمة والعنيفة، وهو ما حدث فعلا في السنوات الأخيرة. فهناك أعداد متزايدة من المسلمين تعلن رفضها لكافة أشكال التمييز ضد غير المسلمين باعتبارها أفعال ضد الدين وضد الوطن ولا يقبلها العقل السليم، وأنها لن تقبل بعد الآن أن يتم هذا التمييز وهذا الظلم باسم الإسلام. وهناك أعداد متزايدة من غير المسلمين – وفي القلب منهم الأقباط - تعلن أنها لن تقبل أن تظلم بعد الآن وأنها ستقاوم هذا التمييز وهذا الظلم وأنهم لن يرضوا بأقل من المساواة الكاملة في الوطن. وهناك إحساس متزايد بين الحريصين على مستقبل هذا البلد الذي لا نعرف غيره أن مواجهة التمييز الديني يتطلب تضافر المصريين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم لاستئصال هذا المرض الخبيث من جسد الأمة. وهناك مشروع قانون مقدم من المجلس القومي لحقوق الإنسان بخصوص "تكافؤ الفرص وحظر التمييز بين المواطنين" أعدته الأستاذة منى ذو الفقار المحامية وعضو المجلس. على ضوء ما سبق من تصاعد الحركة الجماهيرية، وتزايد خضوع الدولة للمطالب الجماهيرية، وتزايد انخراط المصريين جنبا إلى جنب على اختلاف انتماءاتهم الدينية للدفاع عن مصالحهم الفئوية المشتركة ولمناهضة التمييز الديني فإن العنف والتمييز ضد الأقباط لن يستمر وإنه في طريقه للانحسار، ولكن هذا لن يتم تلقائيا ولن يتم بين ليلة وضحاها، ولعلي انتهز هذه الفرصة كي أوجه من هذا المنبر الدعوة لكل منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان لدراسة مشروع ميثاق مناهضة التمييز الديني الصادر عن المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني الذي يستهدف محاصرة التمييز الديني والفرز الطائفي شعبيا، وتطويره وتعميقه وتبنيه كموقف مشترك لها. لقد بدأت روافد الثورة تتجمع وتتوحد لتحفر نهر التغيير الذي نتطلع إليه ومن رحم هذه الحركات المطلبية الصغيرة تتشكل صورة المجتمع الذي نصبو إليه يبقى أن تتآلف وتتجمع قواعد هذه الحركات المطلبية وقيادتها كحبات عقد مترابطة ومنتظمة في جبهة سياسية موحدة تغزل رؤيتنا للتغيير الذي ننشده وتنحت ملامح البرنامج الذي يحققه وترسم وسائل إنجازه، وأعتقد أن في الأفق لمح من هذا الحلم الذي طال انتظار تحققه لكن يبدو أنه يدنو ويقترب حتى كدنا نلمحه ونحسه ونتحسسه، فكلما اشتدت الأزمات كلما دنا الانفراج وكلما حلك الظلام كلما اقترب نور الفجر.

هناك تعليق واحد:

  1. الله ينور عليك يادكتور منير اهو الكلام والا بلاش
    والله كلام موزون وعاقل
    ربنا يحميك ويبعد عنك غضب الحكومه

    ردحذف