28.1.12

مسلم أحمل فى قلبى صليبهم وفرحه عيد ميلاد المسيح . بقلم الأستاذ ياسر أيوب ( مرسله لى من صديق عزيز مسلم الديانه ومصرى القلب )

مسلم أحمل فى قلبى صليبهم وفرحة عيد ميلاد المسيح ياسر أيوب أقباط مصر ليسوا عنصرا ثانيا فى مصر .. ليسوا أقلية .. وليسوا فئة معزولة أو منعزلة .. لكنهم جزء من نسيج مصر مثلهم مثل مسلميها .. كل أعيادهم تمثل لى بهجة وفرحة وحب .. كل كوارثهم تؤذى قلبى وضميرى .. كل دمائهم حرام وكل أطفالهم أطفالى وكل كبارهم فى مكانة الأم والأب------------------------ لابد أن يعود الأقباط فى مصر كلها إلى أحضان الوطن الحقيقى وليس الوطن المتخيل المتخفى وراء أسوار كنيسة .. فالكنيسة لم تذهب إلى ميدان التحرير ولا الجامع أيضا .. إنما ذهب المصريون فقط .. مؤمنين بالله ورسله وكتبه السماوية وحقهم فى حياة أفضل هم يستحقونها ويقدرون عليها------------------------ من الضرورى قبل أى احتفال بعيد ميلاد السيد المسيح .. البحث عن سبب وتفسير يشرح لماذا يحتفل العالم كله من حولنا بهذا العيد فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر بينما يحتفل به أقباط مصر وحدهم يوم السابع من يناير------------------------ إن كنت مسلما لا تحب الأقباط ولا تعترف بهم أو بأى حقوق لهم فى وطننا وحياتنا .. فأنا أدعوك لأن تطوى هذه الصفحة احتراما منى لك ولوقتك واختيارك .. فأنا الآن لا أتحدث فقط عن أقباط مصر وإنما أحتفل بهم ومعهم وأشاركهم فرحتهم بعيد الميلاد وباليوم الذى هبطت فيه الملائكة على مشارف القدس منذ 2011 سنة تبشر الناس بمولد المسيح رمزا للتسامح والسلام وتنشد المجد لله فى الأعالى وللناس المسرة وعلى الأرض السلام .. ولا أظن أننى المسلم الوحيد فى مصر الذى يحب القيام بذلك أو يسعده أن يكون وسط الأقباط ومعهم فى أيام وليالى عيدهم .. إنما هم كثيرون جدا وأنا مجرد واحد منهم .. وإن كنت سأقيم احتفالى بطريقتى الخاصة تأكيدا لصدق مشاعرى وحجم اعتزازى بكل صديقاتى وأصدقائى وزملائى الأقباط .. وأنا الآن أهنئهم وأحتضن قلوبهم وأراقص مشاعرهم وذكرياتهم وأقدم لهم الورد ومعهم أضىء شموع العيد وحولها الحواديت الجميلة والأمنيات الطيبة وبشكل أكثر تحديدا ووضوحا .. لست هنا أحتفل بعيد ميلاد المسيح عليه السلام أو أشارك أتباعه فرحتهم فى كل زاوية وكنيسة ووطن فى هذا العالم .. إنما فقط أحتفل مع أقباط مصر بعيد الميلاد على الطريقة المصرية .. ومن الضرورى قبل أى احتفال البحث عن سبب وتفسير يشرح لماذا يحتفل العالم كله من حولنا بعيد ميلاد المسيح فى الخامس والعشرين من شهر ديسمبر بينما يحتفل به أقباط مصر وحدهم يوم السابع من يناير .. فالحكاية بدأت عام 325 حين تقرر فى ذلك العام تحديد وإعلان الخامس والعشرين من ديسمبر فى كل عام يوما لميلاد المسيح .. واستند مجمع نيقية فى ذلك إلى أن يوم ميلاد المسيح هو اليوم الفلكى الذى يشهد الليل الأطول والنهار الأقصر فى السنة كلها .. وكان هذا اليوم هو الموافق للتاسع والعشرين من شهر كيهك حسب التقويم القبطى المصرى .. ولكن جاء عام 1582 .. أى بعد 1257 سنة على الاتفاق وتحديد يوم الميلاد .. ليكتشف العلماء فى زمن البابا جريجورى أن الخامس والعشرين من ديسمبر ليس هو يوم الليل الأطول والنهار الأقصر .. وإنما يجب تقديمه عشرة أيام بالضبط .. ولم يكن البابا جريجورى ليقرر تغيير عيد ميلاد المسيح بعدما اعتاد المسيحيون الاحتفال به طيلة ألف ومائتى وسبعة وخمسين سنة فى الخامس والعشرين من ديسمبر كل سنة .. وإنما اتخذا واحدا من أغرب القرارات فى التاريخ .. قرر حذف عشرة أيام كاملة من التقويم الميلادى .. وبالتحديد يوم 5 أكتوبر الذى تقرر فجأة أن يصبح هو يوم 15 أكتوبر ليستقيم الأمر ويصبح يوم 25 ديسمبر هو بالفعل اليوم الذى يشهد فلكيا أطول ليل وأقصر نهار .. ومن الفاتيكان إلى بقية دول أوروبا حيث بدأ تعديل التقويم ليبقى يوم الخامس والعشرين من ديسمبر كل عام عيدا لميلاد المسيح .. واضطرت الدول الأوروبية لحذف ثلاثة عشر يوما كاملة .. ولم تقم مصر بذلك وبقيت تحتفل بعيد ميلاد المسيح يوم التاسع والعشرين من شهر كيهك .. وبعد الاحتلال الإنجليزى عام 1882 .. اضطرت مصر لمجاراة أوروبا فى التعديل .. وحسب هذا التعديل .. اصبح التاسع والعشرين من شهر كيهك موافقا لليوم السابع من شهر يناير كل عام حيث لم يتم حذف أى يوم من التقويم القبطى المصرى .. وهكذا أصبح العالم من حولنا يمارس احتفالاته بعيد ميلاد المسيح يوم الخامس والعشرين من ديسمبر ومصر وحدها تحتفل به فى السابع من يناير كل عام وفى حقيقة الأمر .. لا يحتفل الأقباط فى مصر بعيد ميلاد المسيح فى السابع من يناير .. وإنما يحتفلون به فى التاسع والعشرين من شهر كيهك .. فالأقباط فى مصر كان ولا يزال لهم تقويمهم الخاص .. أقدم تقويم عرفته البشرية و يعتمد على نجم الشعرى اليمانية كأساس للحساب .. حيث ارتبط ظهور هذا النجم بفيضان النيل .. وباتت شهور هذا التقويم مرتبطة بالنيل والماء والزراعة والحياة على الطريقة المصرية .. ويبدأ التقويم القبطى بشهر توت الذى يبدأ من 11 سبتمبر إلى 10 أكتوبر .. وشهر بابة من 11 أكتوبر إلى 10 نوفمبر .. وشهر هاتور من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر .. وشهر كيهك من 10 ديسمبر إلى 8 يناير .. وشهر طوبة من 9 يناير إلى 7 فبراير .. وشهر أمشير من 8 فبراير إلى 9 مارس .. وشهر برمهات من 10 مارس إلى 8 أبريل .. وشهر برمودة من 9 أبريل إلى 8 مايو .. وشهر بشنس من 9 مايو إلى 7 يونيو .. وشهر بؤونة من 8 يونيو إلى 7 يوليو .. وشهر أبيب من 8 يوليو إلى 6 أغسطس .. وشهر مسرى من 7 أغسطس إلى 5 سبتمبر .. وشهر نسئ من 6 سبتمبر إلى 10 سبتمبر .. ولا يزال هذا التقويم مستخدما فى ريف مصر سواء كان مسلما أو قبطيا .. وأمثلة كثيرة يرددها المصريون منذ زمن طويل ارتبطت فيها الحياة بأسماء الشهور القبطية .. توت يقول للبرد إتفضل فوت .. طوبة ماتبلش ولا عرقوبة .. أمشير أبو الزعابير .. برمهات روح الغيط وهات ..بابة ادخل واقفل البوابة .. هاتور أبو الدهب المنثور .. كيهك تقوم من فطارك تحضر عشاك .. برمودة دق العامودة .. بشنس يكنس الغيطان كنس .. بؤونة الحجر .. أبيب اللى ياكل ملوخية يروح للطبيب .. مسرى تجرى فيها كل قناة عسرى .. نسئ ست أيام نسيان .. ولم يكن التقويم الواقعى المرتبط بالنيل والأرض والحياة هو العطاء الوحيد الباقى والدائم للأقباط فى مصر .. مصر نفسها اتخذت اسمها اللاتينى من أقباطها .. فبلاد القبط أصبحت يوم بعد يوم هى إيجيبت .. كما أن دفاع أقباط مصر فى بداية اعتناق مصر للمسيحية عن عقيدتهم .. لا يزال واحدة من أجمل وأنبل حكايات التاريخ الجميل والحقيقى للمصريين .. وقد بدأت الكنيسة المصرية أول سنين تقويمها الخاص بالسنة الأولى من حكم دقلديانوس الذى عذب أقباط مصر محاولا إجبارهم على التخلى عن عقيدتهم .. أغلق كنائسهم وعذبهم وأحرقهم وقتلهم وقام بقتل أعداد هائلة من أقباط مصر فى الإسكندرية عام 284 .. وهى التى عرفت فيما بعد بحادثة الشهداء .. ولم يتراجع أقباط مصر أو يضعفوا ويستسلموا ودافعوا فى تلك الأيام عن دينهم وكتابهم المقدس بل ودافعوا عن المسيحية كلها .. وإذا كانت الإسكندرية هى أول مدينة فى العالم تؤمن المسيح بعد ميلاده بخمس وستين عاما فقط .. ويكفى أن نقرأ شهادة المقريزى .. المؤرخ الإسلامى الكبير والشهير .. لندرك بوضوح الثمن الذى تحمله أقباط مصر دفاعا عن فكر ومبدأ ورأى وعقيدة .. فقد غالى ملوك الروم وقياصرة روما فى تعذيب المصريين الذين رفعوا الصليب .. أغلقوا كنائسهم .. إستباحوا دماءهم .. أسرفوا فى قتلهم .. وعمت أرض مصر بالسبايا والقتلى .. لم تعش مصر وقتها يوما واحدا دون موت وعذاب ودموع .. وحتى حين استقرت المسيحية فى مصر ولم يعد الصليب مرادفا للموت أو القهر .. كانت مصر قد اخترعت مسيحيتها الخاصة بها وهى الرهبنة .. فكل راهب أو راهبة فى العالم اليوم .. مدين بالفضل وكثير الشكر والامتنان لأقباط مصر .. وقد كان مرقص واحدا من هؤلاء المصريين وهؤلاء الأقباط .. ولد فى الصحراء الغربية ثم رحل إلى فلسطين ليتتلمذ على يد المسيح مباشرة .. وعاد إلى مصر ليكتب إنجيله المعروف باسمه .. وتحولت غرفة فى بيت القديس مرقص إلى أول كنيسة فى الدنيا والتاريخ .. كنيسة مصرية دافعت عن مصر ومصريتها طول الوقت وضد أى أحد .. كنيسة دافعت عن أقباط مصر ضد الكافرين فى عصر الشهداء .. ثم دافعت عن مصر ضد الرومان الأقباط .. بل وكانت كنيسة مصر مع صلاح الدين ومصر حتى أثناء الحملات الصليبية والغزاة الذين جاءوا يحملون الصلبان ويريدون الأرض باسم الصليب .. وحتى الآن .. بقيت هذه الكنيسة مصرية وفى مصر ولمصر ومن المؤكد أننى أحكى تاريخا يعرفه ويحفظه كثير من الأقباط .. ولكن لا يمنعنى ذلك من إعادة كتابة بعض مشاهده الجميلة والعظيمة شديدة النبل والرقى .. فهذه المشاهد يجب أن تتحول إلى صور معلقة على جدران القلب ونحن نحتفل بعيد ميلاد المسيح .. ولكنه ليس من التاريخ البعيد والقديم تأتى كل الصور .. وإنما هناك صور لما جرى فى مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير وصور أخرى من ميدان التحرير ليلة رأس السنة .. وقد اختارت أكثر من صحيفة ووكالة إعلامية أمريكية وأوروبية صورة لشبان أقباط فى أحد الأيام الأولى لثورة يناير يقفون بمنتهى اليقظة والانتباه لحماية إخوانهم المسلمين أثناء إحدى صلوات الجماعة .. واختصرت هذه الصورة الكثير من الكلام والشروحات التى نحتاجها أحيانا فى لحظات الشكوك والظنون والمخاوف .. أما الصورة الأخرى فى ليلة رأس السنة .. فكانت للأقباط مع المسلمين يوقدون الشموع فى ميدان التحرير ويمزجون بين هتافات الحلم والحرية وبين الغناء والترانيم القبطية الجميلة .. وأنا لا أخجل من الاعتراف بأنى فى مثل تلك اللحظات .. أفرح بهذه الترانيم وأشعر بها فى قلبى أملا وحياة .. فأنا مسلم لم أعترف يوما بأى فواصل أو حواجز فكرية أو نفسية واجتماعية وحياتية تفصل بينى وبين كل أصدقائى الأقباط .. لهم دينهم ولى دينا ولنا كلنا وطن واحد وحياة واحدة ومشاعر واحدة .. نفس الهموم والمواجع والمخاوف والأحلام والطموحات .. وكم أحسست بسخف تلك العبارة الخالدة .. عنصرى الأمة .. حتى بالرغم من طيبة نوايا ومقاصد من يقولونها .. فالطريق إلى جهنم دائما محفوف بالنوايا الطيبة .. والمصريون فى حقيقة الأمر كانوا وسيبقون طول الوقت عنصرا واحدا وليس اثنين .. أقباط مصر ليسوا عنصرا ثانيا فى مصر .. ليسوا أقلية .. وليسوا فئة معزولة أو منعزلة .. لكنهم جزء من نسيج مصر مثلهم مثل مسلميها .. كل أعيادهم تمثل لى بهجة وفرحة وحب .. كل أغانيهم ترقص معها مشاعرى وأحاسيسى .. كل كوارثهم تؤذى قلبى وضميرى .. كل دمائهم حرام وكل أطفالهم أطفالى وكل كبارهم فى مكانة أمى وأبى .. ورغم اعتزازى بإسلامى ويقينى به وبالقرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام .. إلا أننى فى كل فرحة عيد وفى كل لحظة وجع مسيحى .. أشعر وكأنى أحمل الصليب فى قلبى أخبئه وأخاف عليه وأحترمه كثيرا وجدا ولهذا أتمنى بعد هذا الذى جرى فى ليلة رأس السنة .. وبعد الذى جرى فى ليلة عيد الميلاد الحالى سواء فى الكاتدرائية أو كنيسة الدوبارة أو كل وأى كنيسة فى صعيد مصر ومدن شمالها .. حيث تقاسم المسلمون مع الاقباط بالواقع والفعل والصدق والحب فرحة العيد وحماية الأقباط من كل خوف ووجع يهددهم ويهدد المسلمين أيضا .. اتمنى أن يصبح ذلك نهاية حقيقية لعصر وزمن طويل من الانسحاب المسيحى فى مصر .. وقد يكون هناك أقباط لا يحبون أن يسمعوا مثل هذا الكلام .. ولكن لابد من المصارحة دون أى مخاوف أو حساسيات .. فالأقباط هم غالبا الذين يفضلون الانسحاب والاختباء وراء كنيستهم .. وأصبح معظمهم يفضل الاحساس بالاضطهاد على اقتحام أى حواجز وكسر أى موانع وفتح أى أبواب مغلقة ودون انتظار لأى دعوة من أحد .. ففى ثورة 1919 .. وتشكيل وفد مصرى للتفاوض مع الإنجليز على الاستقلال بقيادة سعد زغلول .. لم ينسحب الأقباط أو يحجموا عن المشاركة بدعوى أن الوفد ليس فيه قبطى واحد يشارك فى محاولات استقلال مصر .. وإنما ذهبوا إلى سعد زغلول وكانوا بجانبه وورائه وشاركوا فى كل خطوة وكل حلم وكل نقطة دم سالت من اجل حرية مصر .. فرضوا شراكتهم على الجميع كمصريين .. وحاول الاقباط أيضا أن يشاركوا فى جماعة الإخوان المسلمين وطالبوا الإمام حسن البنا بتغيير اسم الجماعة إلى الإخوان المصريين ولكن البنا رفض تغيير الإسم وإن رحب فى نفس الوقت بمشاركة الأقباط .. وأود بعد ذلك التوقف أمام مصر فى عام 1952 .. فقد عدت إلى مختلف الكتابات والكتب والصحف التى صدرت بعد ثورة يوليو ولوقت طويل .. ولم أجد تساؤلا واحدا عن سر أو تفسير لعدم وحود ضابط قبطى واحد فى مجلس قيادة ثورة يوليو الذى ضم ثلاثة عشر ضابطا كانوا جميعهم من المسلمين .. وقتها لم ينتبه أحد من الأقباط أو المسلمين لذلك .. لم ينشغل أحد بذلك أصلا .. المصريون جميعهم تعاملوا معهم باعتبارهم ضباط مصريين قاموا بالثورة لتخليص مصر من استعمار انجليزى ومن نظام حكم فاسد ومترهل .. فماذا جرى فى ستين عاما بعد ثورة يوليو .. ماالذى تغير فى مصر ليجعل الأقباط الذين لم ينزعجوا ولم ينتبهوا لفكرة أنه ليس هناك أى ضابط قبطى وسط قادة ثورة ستحكم مصر وتغير شكل الحياة فيها للأبد .. يشغلهم الآن كثيرا وجدا كم وزير قبطى فى الحكومة وكم محافظ أو نجم سينما أو لاعب كرة قبطى .. وأعود للمفكر والكاتب القبطى الرائع والراحل .. الدكتور غالى شكرى .. الذى سبق أن ناقش قضية الأقباط فى كتابه الهام .. الأقباط فى وطن متغير .. فقد قال الدكتور غالى شكرى وبعد طول بحث ودراسة وتأمل أن الأقباط فى مصر بعد ثورة يوليو 1952 تأثروا بظاهرتين أكثر من أى ظواهر أخرى سادت المجتمع المصرى فى ذلك الوقت .. الأولى هى مجانية التعليم التى سمحت للفقراء الأقباط بتعليم أطفالهم طمعا فى رقى وظيفى واجتماعى وإنسانى .. والظاهرة الثانية هى الغاء الحياة الحزبية طيلة الفترة الناصرية .. وأدى ذلك إلى التفات كثير من الأقباط إلى الكنيسة باعتبارها حزبهم الجديد والوحيد أيضا .. وإذا كان هناك مسلمون فى المقابل انضموا وقتها للإخوان باعتبار الجماعة هى أيضا حزبهم الجديد والوحيد إلا أن المسلمين لم ينضموا جميعا للإخوان .. لكن الأقباط معظمهم انضم لحزب الكنيسة .. وسنة بعد أخرى كان أطفال الطبقة الوسطى وفقراء الأقباط يكبرون ويواصلون تعليمهم ويزداد ارتياطهم بالكنيسة عبر مدارس الأحد والأكليركية والمعاهد المتخصصة والأديرة .. وحين جاء السادات .. لم ينتبه إلى الكنيسة وهو يقرر الاعتماد على الجماعات الإسلامية للخلاص من التنظيمات اليسارية والشيوعية .. أصبحت الكنيسة خارج حسابات السلطة المصرية وخارج الصراعات بين القوى الفكرية والسياسية .. وفى نفس الوقت كان شباب الأقباط يفرضون سيطرتهم على كنيستهم التى لم يعد يقودها ويؤثر فيها الأعيان الأقباط ورجال المال والبنوك .. ولكن شباب اختصر الوطن فى كنيسة .. فيها يجد أمانه وبمارس الدين والدنيا أيضا .. وحين خرج المارد الأصولى نهائيا من القمقم وقتل السادات نفسه .. لم يكن هناك من يلفت انتباه هذا المارد إلى أن الكنيسة ليست عدوا ولم تكن طرفا فى هذا الصراع منذ بدايته .. على العكس تماما .. باتت الكنيسة هى ذلك الآخر المجهول الذى يخاف منه المارد الأصولى وهو محاط بملاحقات الأمن وانتقادات المثقفين والمفكرين المسلمين .. وفى مجتمع مصرى اضطربت موازينه النفسية والفكرية .. أصبح المتعصبون المسلمون ينظرون للكنيسة بعداء مستتر أو معلن .. وأصبح الأقباط يظنون أن كنيستهم ستبقى قادرة على أن تغنيهم عن بقية مجتمع ووطن والآن .. لابد أن يعود الأقباط فى مصر كلها إلى أحضان الوطن الحقيقى وليس الوطن المتخيل المتخفى وراء أسوار كنيسة .. فالكنيسة لم تذهب إلى ميدان التحرير ولا الجامع أيضا .. إنما ذهب المصريون فقط .. مؤمنين بالله ورسله وكتبه السماوية وحقهم فى حياة أفضل هم يستحقونها ويقدرون عليها .. ومن المؤكد أن الأقباط حين مارسوا الحياة والحرية والحب والانتماء والثورة والغضب والحلم خارج الكنيسة .. اكتشفوا أنهم أصبحوا أقوى والأهم أنهم تأكدوا أنهم مصريون .. احساس جميل بالقطع ليس فيه توجس وخوف من الآخر .. فالكنيسة ليست هى التى ستحمى الأقباط من بعض غلو وتطرف وعداء بعض الأفكار الأصولية المتطرفة والمتشددة .. وإنما ستحميهم مصر التى هى لهم مثلما هم لها .. وأنا أظن أن هناك تغييرا حقيقيا بدأ يسرى فى أوساط الأقباط وبدأوا يعودون بالفعل إلى أحضان وطن مستحيل أن يستغنى عنهم أو يخرجهم من قلبه وأيامه ولياليه .. وفى النهاية أؤكد أن كل عيد ميلاد .. والأقباط بخير .. والمسلمون بخير .. ومصر كلها طيبة وآمنة وسالمة وحالمة وقوية وقادرة على تحقيق أحلامها وإكمال ثورتها والبحث عن أمنها وأمانها ومستقبلها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق