حكاية كلما تذكرتها أضحك، وأكتب هذا المقال وأنا أضحك، ولعل القراء سيقرأونه وسيضحكون، فشر البلية ما يضحك، كما يقول المثل العربي، والحكاية حكتها لي أختي وهي تعمل مهندسة زراعية، من أن إحدى زميلاتها في العمل تركت مصحفها في مكتبها، حيث تقرأ كل أخت مسلمة جزءاً من القرآن في أوقات العمل لتنال الأجر والثواب من الله، وتترك أشغال وأعمال الناس التي تقبض راتبها من أجله، ولم يقف الأمر عند الأخوات المحجبات والمنقبات وحسب بل في كل مكاتب مصر الآن تجد كل موظف قد طالت لحيته، ومعه مصحفه لا يفارقه يقرأ فيه القرآن في أوقات عمله، ناهيك عن تركه العمل لأداء الصلاة والوضوء، كما أوضحت ذلك في مقالي السابق 'مصر دولة متأسلمة' متواكلين على الله لا متوكلين عليه، لأن الله ورسوله حثا على العمل قبل العبادة، والويل كل الويل لمن ينتقد هذا الوضع، أو يقول يا أخي ويا أختي هذا مكان عمل وليس مسجداً لقراءة القرآن أو للعبادة، هنا ستنعت بالكفر، وسيقولون لك: أوليس ذلك أفضل من مشاهدة التلفزيون والفضائيات والفسق والفجور ونانسي عجرم وهيفاء وهبي ومباريات كرة القدم، وستدخل نفسك في دوامة لن تخرج منها إلا مهدور الدم لأنك كافر وأكمل الحكاية: ذات يوم نست إحدى زميلات أختى مصحفها في المكتب ولم تضعه في حقيبتها للبركة، وليحفظها من الشيطان ومن الإغتصاب في الشوارع كما يزعمون، وكان الجميع يعرف أن في المكتب فأر، لأنهم يجدون آثاره على المكاتب، وفي اليوم الذي نست فيه زميلتها المصحف في المكتب، قرضه فأر مكار'كافر'، وجن جنون صديقة أختى في اليوم التالي وهي تفتح مكتبها لتجد أن مصحفها قد قرضه فأر لعين، فصرخت بأعلى صوتها جامعة كل زميلاتها من أن 'الفار اللي في المكتب مسيحي ... والله العظيم مسيحي'، فاجتمع الجميع ليعرف الخبر وهي تكمل: 'مش ممكن فار مسلم يأكل القرآن، دا فار مسيحيفهل هناك فئران مسلمة وأخرى مسيحية ويهودية؟ وهل الفئران تقرأ لتعلم أن هذا قرآن أو هذا إنجيل أو توراه ؟ فيبدو أن نظرية المؤامرة، التي نحن مسكونون بها، لم تقف عند بني الإنسان بل إمتدت إلى عالم الحيوان والقوارض أيضاً، فهناك الآن مؤامرة من الفئران المسيحية بقرض مصاحف المسلمين للقضاء على إسلامهم، ولا أعرف هل تم ذلك بعلم الكونجرس وجورج بوش أم أن ذلك تم من وراء ظهورهم، وهل هناك دخل للـ إف . بي . أي أم أن الموساد هو الذي وراء ذلك، ولماذا لا يكون هذا الفأر يهودياً؟ أو ربما تم ذلك بالإتفاق المسيحي اليهودي، من 'أولاد القردة والخنازير' كما ينعتوهم، أي بتخطيط من الموساد والإف بي أيإن الأمر لمؤسف ومحزن في مصر، إنك تمشي في شوارع القاهرة الآن وتشعر أنك في كابول أو طهران، فجرثومة التأسلم سرت في كل أنحاء مصر سريان النار في الهشيم، ومظاهر الشعوذة انتشرت من لحى وحجاب ونقاب في كل مكان، وأصبح كل من لا يسبق كلامه بإن شاء الله، أو بإذن الله، وينهيه بالحمد لله رب العالمين، يصبح من المخالفين للشريعة والإسلام، البنوك إسلامية، الفضائيات إسلامية، رنات المحمول أصبحت إسلامية، الرد على المحمول يكون بالسلام عليكم، الساعات في الحوائط ترفع الآذان في أوقات الصلاة، تأخذ تاكسي تجد السائق يضع القرآن مباشرة ودون إستئذان، والأدهي أنه حتى في المواصلات العامة تجد القرآن دائماً يقرأ، في عيادات الطبيب، تجد إما فضائية إقرأ، أو تلاوة القرآن، حتى إنك عندما تسأل أحد المتأسلمين عن شيء حدث منذ سنين طويلة مثل: هل أخذت الثانوية العامة؟ يجيبك أخذتها إن شاء الله، وكأن لا إرادة ولا مشيئة لنا في أي شيء، فهم بذلك يقرون مبدأ الجبرية في الأفعال الذي هو أس عبوديتنا للحكام (وسأخصص لهذا الموضوع مقالاً خاصاً) وإذا كان الأمر كذلك من جبرية الأفعال، فلماذا نسأل عن أفعالنا؟ طالما كل شيء مكتوب من قبل وما نحن إلا أدوات تنفيذ لمسرحية تم كتابتها من قبل؟عندما كنت أقضي أجازتي في مصر في شهر رمضان الكريم في السنة الماضية، طلبت من إمام المسجد الذي يبعد عن منزلي عشرة أمتار، ألا يصلى صلاة التهجد في الميكروفون، لأن هذه الصلاة ممدودة طوال الليل، والميكروفون يزعج أولادي ويوقظهم من النوم، فيكفي الأذان، وصلاة العشاء، بل وصلاة التراويح، فما الداعي لصلاة التهجد في الميكروفون أيضاً؟؟!! فما كان منه إلا أن غضب مني، وقال بعصبيه: ماذا جرى لك يا شيخ أشرف؟ هل لأنك مقيم في فرنسا ستعلمنا أمور ديننا؟ فقلت له يا أخي: أنا لا أعلمك أمور ديننا، لم أقل لك لا تصلي، ولم أشكك في الصلاة؟ فهل كان في أيام الرسول والصحابة، رضوان الله عليهم، ميكروفونات؟ أم أن بلال كان يؤذن للصلاة من فوق جزع نخلة بصوت هادئ عذب؟ ووالله إن بعض أصوات المؤذنين مزعج فعلاً، فهو ليس نداء هادئ للصلاة، بل صراخ مزعج، خاصة في صلاة الفجر، وما ذنب أخوتنا في الله والوطن الأقباط أن نوقظهم كل يوم في كل فجر على صوت الآذان؟ وما الموقف لو دقوا هم أجراس كنائسهم وأزعجوا نومنا نحن المسلمين؟ فقال: لا... يبدو أن أوربا أثرت عليك؟بالطبع أوربا أثرت عليّ للأفضل، أوربا خلصتني من نرجسيتي الفردية، أوربا عرفتني أننا لسنا وحدنا في العالم، أوربا علمتني أن إحترامي للأخر المخالف هو إحترام لذاتي أولاً، وأن أعطي نفس الحقوق للآخر التي أطالب بها لنفسي، لأن هذا هو العدل، وأن اسم من أسماء الله هو 'العدل' فمتي سنعدل ونعتدل في تصرفاتنا وأقوالنا وأفعالنا وديننا ولا نغالي فيه؟ ونعطي للأخرين ما نطالب به لأنفسنا، ونعرف أننا لسنا وحدنا في هذا العالم وأن من حق الجميع أن يعيش في سلام، ونتخلص من وهم نظرية المؤامرة المنصوبة لنا من الغرب وإسرائيل، حتى وصل هوسنا إلي الظن بتآمر الفئران المسيحية وربما اليهودية أيضاً ضدنا؟؟وأختتم مقالي بقول الشاعر
لا تنه عن خلق وتأتي مثله / عار عليك إذا فعلت عظيمإبدأ بنفسك فانهها عن غيها / فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق