في أربعينات القرن الماضي ومع احتدام الصراع بين
الفلسطينيين والصهاينة حول أرض فلسطين، قام الإخوان المسلمين بمهاجمة مصالح
المصريين اليهود في مصر عن طريق تفجير عدد من متاجرهم الشهيرة مثل شيكوريل
وبنزايون وعدس وجاتينيو بالإضافة إلى تفجير حارة اليهود في القاهرة والذي
أدى إلى مقتل 20 شخص وانهيار 4 منازل؟؟؟ ومع إعلان دولة إسرائيل في 1948
هاجر 189 يهودى من أصل 65639 إلى إسرائيل. إلا أن هذا لم يشفع لهم فتعرضوا
لحملة اعتقالات بتهمة انتماءهم للصهيونية. ثم جاء الضباط الأحرار والذين في
معظمهم من خلفيات إخوانيه يحملون العداء ضد كل ما هو يهودي. فتم وصمهم
بالولاء لإسرائيل والبدء بترحيلهم بختم خروج بلا عودة على جوازات سفرهم.
نفس السيناريو يتكرر الآن مع
المصريين الآخرين من غير المسلمين السنة. فالمسيحيين متهمين بالولاء للغرب
عموما وأمريكا خصوصا ويستغل في ذلك بعض التصرفات لبعض أقباط المهجر والتي
يعترض عليها معظم المصريين المسيحيين، إلا أن هذا الاعتراض لا يشفع لهم
أيضا. وكذلك الشيعة فقد اتهمهم الرئيس السابق مبارك بالولاء لإيران ولا
أعرف ما هو دليله على ذلك. والآن هم مقبلون على أيام سوداء في حال أرادت
جماعة الإخوان التصالح مع السلفيين لتقوية موقفها في الساحة السياسية
المصرية، فسيكون المصريين الشيعة هو القربان الذي سيقدم على المذبح السلفي.
ولم ينجوا البهائيين من تهمة العمالة لدولة إسرائيل، حيث يوجد قبر بهاء
الله في عكا، مما جعل من السهل إلصاق تهمة العمالة والولاء لإسرائيل
بالمصريين البهائيين متناسين أن بهاء الله مات ودفن في عكا عام 1892.
رغم أن تعميم هذه الاتهامات لقطاعات عريضة من الأمة
المصرية لا يقوم عليه دليل إلا أن بعض هؤلاء يشعر بالفعل بالولاء والتعاطف
والحب نحو بعض الدول أكثر من بلدة الأم ويشعر بالانتماء نحو أمم أخرى غير
الأمة المصرية. ولكن السؤال الذي لا يسأله أحد، لماذا؟
لماذا قد يشعر الشيعي بالانتماء لإيران والمسيحي والبهائي
واللاديني للدول الغربية؟ انه السؤال الذي لا يسأله أحد أو بالأحرى لا يريد
أن يجيب عليه أحد.
لا أحد يريد أن يعترف أن هناك اضطهاد ديني ضد كل من هو غير
مسلم وغير سني. فالشيعي والبهائي واللاديني لا يستطيع أن يعلن عن عقيدته
سواء عمليا أو من خلال الأوراق الرسمية، والشيعي والبهائي لا يستطيع أن
يبنى لنفسه دار عبادة يمارس فيها طقوسه، والمسيحي يجد صعوبة بالغة في بناء
أو ترميم كنيسة بل يتم هدم ما هو مبنى بالفعل. وكل هؤلاء لا يستطيعون تولى
المناصب الرفيعة في الدولة، بل هناك بعض الوظائف العادية التى لا يستطيع
غير المسلم السني توليها وعلى رأسها تخصص أمراض النساء. هذا غير السباب
والشتيمة الأسبوعية من على منابر الجمعة، ومحطات التلفزيون، والآن في عصر
الإخوان المسلمين تستطيع أن ترى لافتات سب الشيعة في شوارع مصر المحروسة
بتوقيع الدعوة السلفية.
فكيف بشخص يتعرض لكل هذا الاضطهاد والإهانة أن لا ينفر من
مكان حتى لو ولد وتربى فيه؟ كيف لا يشعر بالولاء والحنين لمكان أخر يرى أنه
أكثر عدلا وقبولا له، مكان يحترم حريته في اختيار ما يعتقد وحريته في
ممارسة شعائر عقيدته. مكان لا يري فيه إلا إنسان له حقوق مقدسة متساوية مع
كل إنسان أخر بغض النظر عن عقيدته، أو يحميه من اضطهاد بنى وطنه.
بل إذا أردنا أن نتهم أحد بالعمالة والخيانة فيجب اتهام
هؤلاء الذين يحكمون ويتحكمون ويرتعون ويسرقون البلد، ثم يكون ولائهم لأمة
أخرى غير الأمة المصرية. هؤلاء هم الخونة الحقيقيين الذين يجب إبعادهم من
مصر وليس المصريين المحبين لبلادهم رغم الاضطهاد والقمع والإهانة لهم
ولعقيدتهم إلا أنهم مازالوا يحبون هذا البلد وهذه الأمة المصرية ومازالوا
على استعداد للتضحية كما ضحوا من قبل في سبيل هذه الأمة في ثوراتها وحروبها
التى غاب عنها كلها هؤلاء الإسلاميين.
ولذلك قبل أن نتهم أي مصري بالولاء لدول أخرى ونطالب
برحيله من وطنه، لنُعمل أولا مبدأ المواطنة ونكفل حرية العقيدة وممارسة
الشعائر لكل مصري، فلا يضار مصري بعقيدته أو إيمانه فالكل مصري له كافة
الحقوق وعليه كافة الواجبات بغض النظر عن عقيدته.